عنف التوليد.. تحت "السلطة المطلقة" للوزرة البيضاء

تيل كيل عربي

اللمس المهبلي العنيف، عمليات تمزيق المهبل، التهديد والإذلال.. نساء يتحولن إلى مجرد قطعة لحم.. هذه بعض من مظاهر العنف الذي تتعرض له الحوامل أثناء الوضع بالمستشفيات والمصحات الخاصة بالمغرب. "تيل كيل" تحاول تسليط الضوء على هذا "الطابو" الصامت...

 

"أحسست كأنني تعرضت للاغتصاب" تقول لطيفة وهي تسترجع ظروف وضعها لمولودها في إحدى المصحات بالرباط، ثم أضافت "قامت المولدة بلمس مهبلي دون ان تعلمني. أحسست أنها كانت تحاول إدخال يدها وتحريكها بخشونة. كنت أصرخ بسبب الألم الشديد. ولما خرجت من الغرفة بكيت بشدة". وأثناء انتظارها لحقنة الظهر (péridurale)، عادت المولدة إلى اللمس المهبلي وبعنف أكبر هذه المرة. "وكلما أصرت على هذا اللمس، صرخت أكثر، و كلما صرخت زادت في لمسها المهبلي العنيف هذا".

هذه الممارسة المؤلمة جدا بالنسبة إلى النساء "هدفها إحداث الانقباضات العضلية وبالتالي تسريع الدفع" توضح نوال العزوي، مولدة سبق لها الاشتغال في المستشفيات العمومية ودور الولادة. وتضيف لتيسيا روستنماير، وهي مولدة مستقرة بالمغرب منذ 10 سنوات وسبق لها العمل في المستشفيات العمومي، أن بعض أطباء النساء "يلجؤون إلى اللمس الشرجي (touchers rectaux) بدون سابق إنذار لأن هذه الطريقة هي التي كانت متبعة لجس الرحم". وهذه الممارسة صادمة للفتيات اللواتي يزرن طبيب النساء لأول مرة. وتضيف "بعد هذه التجربة لا يعدن أبدا لزيارة الطبيب، وهذا له تأثير سلبي على صحتهن".

لهذا أوصت المنظمة الصحة العالمية بأربع ساعات كفترة استراحة بين كل لمس مهبلي وآخر. ولكن يبدو أن هذه التوصية لا يقيم لها مكونو المولدات وزنا. "إنهم يقولون لنا بضرورة اللمس المهبلي كل 15 دقيقة خلال المرحلة النشطة" تقول طالبة في السنة الخامسة من تكوينها كمولدة. وهذا الأمر يؤكده سعيد لزرق، رئيس الجمعية المغربية لطب النساء والتوليد، والكاتب العام لهيئة الجهوية للأطباء بجهة الدار البيضاء. "صحيح أنه يجب بذل مجهود تحسيسي أكبر في صفوف المولدات والأطباء" يقول لزرق قبل أن يضيف أن "الإفراط في اللمس المهبلي يمكن أن يؤدي إلى تعفنات، خاصة وأن الأدوات المستعملة لا يتم تعقيمها في بعض الأحيان بين كل لمس وآخر".

والواقع أن هذه الممارسة ليست سوى حالة ضمن حالات أخرى كثيرة تحول المرأة إلى مجرد قطعة لحم.

لحم معروض

"الإحساس بالتحول إلى مجرد قطعة لحم". تكررت هذه اللازمة على ألسنة النساء اللواتي حكين لنا ظروف وضعهن بالمستشفى العمومي أو المصحة الخاصة. وتجد هؤلاء النساء، اللواتي تعلمن منذ نعومة أظافرهن أنهن سيتألمن أثناء الوضع، صعوبة في التمييز  بين الآلام الطبيعية للولادة وتلك التي تسببها "سلوكاتـ، وأفعال(...) يرتكبها الطاقم الطبي ولا تكون مبررة طبيا أو لا تكون بموافقة صريحة وواعية من طرف المرأة". وهذا هو تعريف العنف المرتبط بالولادة حسب المتخصصة ماري هيلين لاهاي.

وبعد أن كان من التابوهات لعهود طويلة، أخذ هذ العنف يطفو إلى السطح. إذ أطلقت الحديثَ عنه عدد من الناشطات في مجال حقوق الإنسان وانتشر بفضل وسائل الإعلام، وهذا ساهم في بروز جيل جديد من النساء الواعيات بحقهن في التقرير في الأمور التي تمس أجسادهن.

أما في المغرب، فنفس العنف يمارس في صمت، ودون أن تتساءل النساء، في غالب الحالات، إن كان من حقهن قبول أو رفض الأفعال التي تفرض عليهن لتسريع عملية الولادة. وعلى كل حال فصوت النساء لا وزن له أمام الأطباء الذين يضفون الشرعية على عدم استشارة النساء بالقول إنهم "علماء" مسنودون إلى سنوات دراستهم العشر(...).

في نهاية تحقيقنا، فرضت هذه الخلاصة نفسها: العنف المرتبط بالولادة مازال تابوها بالمغرب، والسلطات العمومية لا تلقي له بالا. وبالتالي فمن المستحيل إعطاء أرقام ذات مصداقية حول هذه الظاهرة، ولكن الشهادات المستقاة من المتخصصين في مراقبة المخاض، والمولدات، والأطباء، تؤكد أن الممارسات المنتشرة في المغرب مازالت بعيدة جدا عن توصيات منظمة الصحة العالمية.

شق المهبل

توصي منظمة الصحة العالمية باللجوء إلى عمليات "شق المهبل" (épisiotomie) في أقل من 10 في المائة من الحالات. ولكن في المغرب "يلجأ إليها الأطباء والمولدات بشكل منتظم تقريبا، لأنها تقلص زمن المخاض. وهذا الأمر يجد فيه الجميع مصلحتهم" تقول نوال العزوي. ولكن الدكتور سعيد لزرق يرفض هذا الكلام ويقول "لايمكنك إجراء عملية شق المهبل بدون سبب، نحن نقدم عليها حين يكون الأمر ضروريا فقط". ولكن لتيسيا روستنماير تؤكد، إسوة بزميلتها، أن "المولدات يتعلمن بأنه يجب أن يجرين تلك العملية بشكل منتظم، حتى إن رفضت الحامل". في نظرها، يدفع الأطباء إلى التطبيع مع هذه العملية لتسريع عملهم، مع العلم أنه يمكنها أن تتسبب في الآلام أثناء الممارسة الجنسية فيما بعد. وتوضح ماري هيلين لاهاي من جهتها بلهجة حاسمة "حينما لا تكون عملية شق المهبل متقنة، فإنها تتسبب في تشويه الأعضاء التناسلية".

غير موافقات؟ وما بعد

تحكي عدة نساء أنه لم تتم استشارتهن ولا حتى إعلامهن بهذا التدخل الجراحي. هذا أمر طبيعي بالنسبة إلى الدكتور لزرق، الذي يعتبر أن "التوجيه الطبي يتقدم على البحث عن مواقفة المريض"، وهذا ما يتعلمه أطباء المستقبل خلال الدراسة. ويوضح عدد من طلبة كلية الطب التابعة لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء أنهم لم يتلقوا أي دروس حول موافقة المرضى: "يعلموننا أن علينا التصرف في ظل الاستعجال. وبالتالي فمسالة الموافقة لا يتم تناولها إلى نادرا جدا"(...).

تهديد وإذلال

لا يقتصر العنف المرتبط بالولادة على ما هو فيزيولوجي، بل يشمل كذلك ما هو سيكولوجي. وتحكي نوال العزوي وهي تبكي "رأيت طبيب نساء ومولدات يتهكمون على شكل الجهار التناسلي لإحدى السيدات، ويضحكون". ثم تضيف هذه المولدة التي هاجرت إلى كندا بعد تسع سنوات من العمل بالمغرب، "لقد غادرت المغرب لأنني لم أعد قادرة على تحمل رؤية كل هذا العنف". وتتابع "لما تصرخ سيدة ما، كثيرا ما سمعت المولدات وهن يقلن لها بفظاظة 'توقفي عن الصراخ قليلا ! هل كنت تصرخين لما كنت تمارسين الجنس؟'". إن هذا يعتبر اغتصابا للحميمية. وغالبا ما يحدث هذا الأمر كذلك خلال قيام الفتيات غير المتزوجات بالفحص لدى بعض أطباء النساء. وقد حدث هذا لسميرة. "أرغمتني مساعدة طبيب على الاعتراف بأن لي علاقات جنسية قبل الزواج. أتفهم أن العلاقات الجنسية قبل الزواج ما زالت تابوها بالمغرب، ولكن في حالتي هذه انتقلنا من النطاق الطبي إلى المجال الشخصي، بل إلى إصدار الأحكم".

يأتي الإذلال كذلك من اللامبالاة.  وتقول نوال "إن الحوامل يعاملن على أنهن جاهلات. فلا أحد يفسر لهن. وفور دخولك إلى المستشفي يقولون لك ضمنيا إن جسدك لم يعد ملكك". ويصل الّأمر في بعض الحالات إلى حد ربط النساء كما لاحظنا ذلك في بعض الأشرطة(...).

إن النساء في الواقع يصبحن تحت رحمة "السلطة المطلقة" لتلك الوزرة البيضاء. "كنت أشعر أن الطبيب سيغضب ويصبح ضدي، ويؤذي رضيعي إن لم أفعل ما يقول"، تقول صابرينا. وتوضح ليتسيا روستنماير "إنهم يرزعون الخوف في الحامل، ويجبرونها بالتالي على الموافقة، مثلا هناك طبيب قال لإحدى الحوامل ' أنت في الحدود الدنيا للسائل الأمنيوسي، ويجب اللجوء إلى العملية القيصرية'، ولكن في الواقع كانت صور الأشعة تبين أن الوضع طبيعي لديها.. خافت المسكنية وقبلت بالعملية القيصرية بينما كانت ترغب في الولادة الطبيعية"(...).

مازال الطريق طويلا

رغم أن هذه الانزلاقات تعتبر من التابوهات في المجتمع، إلا أن العاملون في القطاع الطبي على علم بها. ويؤكد سعيد لزرق أن مسألة الموافقة من القضايا التي تشغل اليوم هيآة الأطباء. "إننا نسعى إلى إدراج 'الموافقة الواعية' ضمن المناهج الدراسية للطلبة. وقد أجرينا لقاءات مع عميد كلية الطب ووزارتي الصحة والتعليم". هذه الخطوة ستمكن، في نظره، من تجنب الملاحقات القضائية القائمة و"التي أخذت تتكاثر في الآونة الأخيرة". ولكن تعريف هذه الموافقة ليس واضحة لحد الآن. فبالنسبة إلى الطبيب، تختزل العملية برمتها في ورقة توقعها الحامل.

كذلك تم إدراج قضية الموافقة ضمن البرنامج الدراسي للمولدات الطالبات بالمعهد العالي لعلوم الصحة منذ 2013. وتقول طالبة في السنة الخامسة "نتعلم كيف نتواصل مع الحامل، ونتعلم كذلك أن لها الحق في قول لا، والحق في معرفة كل ما سنقوم به بالتفاصيل. ونتعلم بالخصوص أن نطلب منها بشكل منتظم موافقتها"(...).

فهل أخذت الرياح تغير اتجهاها؟ ، على أي، بالنسبة إلى البروفسور مولاي إدريس العلمي، رئيس إحدى الجمعيات التي تنشط في مجال مكافحة وفيات الرضع والأمهات بالمغرب، فالأمر واضح "إننا نهمل بشكل كلي العنف المرتبط بالولادة. والحال أنه قضية تستحق أن تُطرح للنقاش العمومي".

عن "تيل كيل" بتصرف