مدن المغرب المستقبلية كما يريدها الملك

تصميم افتراضي لمدينة الدار البيضاء
و.م.ع / تيلكيل

قدم الملك محمد السادس اليوم تصوره عن المدن المغربية كما يريدها مستقبلا. هذه المدن، بحسب الملك، ستكون خالية من الصفيح ولا يزحف فيها الاسمنت على الفلاحة، كما تضمن العيش الكريم لساكنيها.

حذر الملك محمد السادس، من خلال رسالة تلاها مستشاره عبد اللطيف المنوني، اليوم الخميس بالرباط، أمام المشاركين في المنتدى الوزاري العربي الثاني للإسكان والتنمية الحضرية، من أخطار التوسع الحضاري دون تخطيط، قائلا: "إن توسع المجال الحضري، الذي يتم دون تخطيط، يحمل في ثناياه تحديات ورهانات عديدة، وتنتج عنه خسائر فادحة على مستوى الأداء الحضري، من خلال تعميق مشاكل التنقل، وكلفة التجهيز، والزحف على المناطق القروية، وزيادة الطلب على المرافق العمومية، واستنزاف الموارد الطبيعية، وتدهور البيئة".

كما أن من أبرز مظاهر التوسع الحضري، بحسب رسالة الملك، "تزايد عدد سكان المدن، وما يواكبه من اتساع للمساحة التنظيمية للمدن، نتيجة للامتداد الأفقي والعمودي للعمران، الذي يتطلبه توفير احتياجات السكان الأساسية، من مساكن وطرق، وخدمات بمختلف أشكالها."

وأضاف الملك أن" الامتداد الأفقي للمدن غالبا ما ينتج عنه استهلاك للاحتياطات العقارية على حساب الأراضي الزراعية الخصبة وذات المردودية الإنتاجية العالية، التي تتحول إلى بنايات إسمنتية، تزداد توسعا يوما بعد يوم، علاوة على ارتفاع كلفة التدبير الحضري، وضعف نجاعة الخدمات العمومية"

كما أن هذه التحولات على مستوى الحياة الحضرية،  تقول الرسالة الملكية، "ستساهم في ظهور فوارق اجتماعية ومجالية داخل المدن عامة، وفي الحواضر الكبرى خاصة، مما يساعد على بروز فضاءات هامشية تشكو من ندرة المرافق الضرورية، وضعف البنيات التحتية، وعدم تأمين الخدمات الحضرية الأساسية، مما يهدد التماسك الاجتماعي والاندماج الحضري".

وقال الملك: "وعيا منا بتعقد هذا الوضع وما ينطوي عليه من مخاطر، ما فتئنا نوجه الجهات المختصة، إلى الاهتمام بالمدينة في شمولية نموها، وإلى ضرورة التعامل بكامل الجدية مع القضايا الأساسية التي تطرحها على مستوى التنظيم الترابي في مفهومه الشامل، وليس انطلاقا من مقاربة ضيقة تعنى بالسكن فقط.

عرفت المدن المغربية، كباقي الحواضر عبر العالم، نموا مطردا، وازديادا كبيرا في عدد السكان، وتحولا من القرى إلى المدن بنسبة تقارب 65 في المائة.

"وإدراكا منا لحجم التحديات المطروحة، فالمغرب يلتزم بجميع المعاهدات الدولية، وبالأجندة الحضرية الجديدة، وبكل الآليات التي تعنى بقضايا التنمية والتهيئة الحضرية عبر العالم، ويعمل جاهدا على تفعيلها من خلال إدراجها في استراتيجياته التنموية الوطنية"، تقول الرسالة الملكية.

وفي هذا الإطار، يقول الملك، "أعطينا في سنة 2004، انطلاقة البرنامج الوطني "مدن بدون صفيح"، الرامي إلى القضاء على أحياء السكن غير اللائق بجميع أشكاله على مستوى 85 مدينة. ويرتكز هذا المشروع الوطني الطموح على جعل مسألة الإسكان محورا للتدخل، من أجل ضمان التماسك الاجتماعي، وتعزيز الدينامية الاقتصادية. وقد مكن هذا البرنامج إلى اليوم من الإعلان عن 58 مدينة بدون صفيح".

ومن جهة أخرى، يضيف الملك، "نص دستور 2011 للمملكة المغربية على الحق في السكن، الذي يرتبط أيضا بالحق في الماء والبيئة السليمة، والرعاية الصحية، والحماية الاجتماعية. وقد تمكنا من تحقيق العديد من المنجزات في هذا المجال، بفضل إرادتنا السياسية واعتماد مقاربة تقوم على ترصيد منظومة الحقوق وتعزيز الإدماج الحضري".

ودعا الملك إلى "بلورة رؤية جماعية مشتركة، حول منظومة متكاملة لإعداد التراب، تقوم على الاستشراف، وتروم ترشيد استغلال المجال والموارد المتاحة، وتساهم في إعادة التوازن للشبكة الحضرية، وتقوية قدراتها على التكيف والتأقلم مع مختلف التحولات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والتكنولوجية، مع العمل على تقليص الفجوة بين المجالات الحضرية والأحياء الهامشية والمناطق القروية".

وبموازاة ذلك، "يتعين إرساء أسس تعمير يقوم على مراعاة الهويات، والخصوصيات المحلية، ويسعى إلى بلورة مقاربات متجددة لإنتاج فضاءات متناسقة، أكثر إنتاجية واندماجية واستدامة، قادرة على مواجهة مختلف التحديات والرهانات"، تضيف الرسالة.

الملك نبه قائلا: "ندعوكم إلى التفكير في اعتماد آليات جديدة ومبتكرة، لصياغة منظومة حضرية جديدة، تتوخى تمكين مواطنينا من مقومات العيش الجيد، بما يعنيه من سكن لائق يحفظ الكرامة الإنسانية، وبيئة نظيفة تنسجم وضرورات النمو الاقتصادي، وتخطيط عمراني ذكي يكون الإنسان منطلقه وغايته". 

وجاءت رسالة الملك مشددة على "أن الأمر يتطلب القيام بالإصلاحات المؤسساتية الضرورية، تمنح بموجبها صلاحيات للجهات والهيآت اللامركزية، وللمبادرات المواطنة، لتقوية مساهمتها في جعل السياسات العمومية أكثر تلبية لحاجيات وتطلعات المواطنين. كما ينبغي الحرص على أن تتميز السياسات العمومية بقدر كبير من الالتقائية، والتكامل، والانسجام، لتفادي تشتت مجهودات الدولة".