"أين الثروة وكيف توزع وما هي مصادرها؟" أسئلة حاول أحمد الحليمي، المندوب السامي للتخطيط، اليوم الأربعاء الإجابة عنها، عبر دراسة تعرض لأول مرة في المغرب "مصادر خلق الثروة وتوزيعها". وكان من بين أبرز ما أشارت إليه دراسة مندوبية الحليمي، كيف تضيع فرص على المملكة لخلق الثروة، فضلاً عن تباطؤ نصيب المغاربة منها.
حذر أحمد الحليمي الذي كان يتحدث اليوم بالرباط، خلال عرض دراسة جديدة حول "مصادر خلق الثروة في المغرب وتوزيعها" من تضييع فرصة الاستفادة من ارتفاع نسبة الفئة النشيطة، فهذه الفرصة لا تعوض، حسب المندوب السامي للتخطيط، وذلك ما يستدعي الانتباه من أجل استغلالها.
وأشار الحليمي، إلى جود مفارقة بخصوص مصادر خلق الثروة في المغرب وقال بهذا الشأن، إن "المفارقة تكمن في كون القطاعات التي تساهم بإنتاجية كبيرة معدل تشغيلها ضعيف كالصناعة، أما القطاعات التي تشغل نسبة كبيرة من اليد العاملة إنتاجيتها ضعيفة كما هو الشأن بالنسبة لقطاع البناء".
من جهة أخرى، أوضح الحليمي أن معدل الشغل عرف انخفاضاً متواصلاً، وكانت مساهمته سلبية على مستوى خلق الثروة بنسبة 12.2 في المائة.
وتكشف الدراسة أن نمو حصة الفرد من الناتج الداخلي الاجمالي قد عرفت تباطؤا بين الفترتين 2001 _2008 و2008 _2015، إذ انخفضت من نسبة 3.6 في المائة سنوياً إلى 2.7 في المائة سنويا.
وعزت الدراسة هذا التباطؤ إلى تراجع معدل الشغل، الذي سجل مساهمة سلبية في نمو الناتج الداخلي الاجمالي للفرد خلال الفترة الثانية، تقدر بنسبة 35.3 بدلا من المساهمة الايجابية في الفترة الأولى والتي تقدر بنسبة 5.4 في المائة، إلا أن التحسن في انتاجية العمل ساعد على استيعاب هذا الانخفاض في معدل الشغل بحسب الدراسة.
وأبرزت الدراسة أن المساهمة السلبية لتأثير الشغل جعلت الهياكل الاقتصادية لا تسمح بتثمين المؤهلات التي يوفرها التأثير الديمغرافي، وتابعت أن خلق فرص الشغل انخفض على مستوى الاقتصاد الوطني من 186 ألف وظيفة في المتوسط سنويا خلال الفترة ما بين 2001 و 2008، إلى 70 ألف وظيفة في المتوسط سنويا فقط في الفترة ما بين 2008 و2015، فيما ارتفع التأثير الديمغرافي بنسبة 0.4 نقطة مئوية سنويا خلال الفترة 2001 و 2015، إذ ساهم بنسبة 17.8 في المائة و19.1 في المائة على التوالي خلال الفترتين الفرعيتين في تحسين مستوى معيشة السكان.
وبحسب الدراسة ذاتها فإن انخفاض معدل الشغل لم يكن موحدا في جميع قطاعات النشاط الاقتصادي، حيث انخفض في قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري من 20.1 في المائة سنة 2001 إلى 16.7 في المائة سنة 2015، كما انخفض في القطاع الصناعي من 5.8 في المائة إلى 4.8 في المائة، في حين سجلت أنشطة الخدمات والبناء والأشغال العمومية تحسناً في معدلات الشغل وذلك بمرورها من 16.2 في المائة و3 في المائة سنة 2011 إلى 17.3 في المائة و 4 في المائة سنة 2015 على التوالي.
وفي ظل هذه الظروف، حسب دراسة المندوبية، ساهم انخفاض معدل الشغل سلبا بـ 20٪ و5.2٪ على التوالي في قطاع الفلاحة والغابات والصيد البحري وفي الصناعة في نمو مستوى معيشة السكان خلال الفترة 2001-2015. وسجل معدل الشغل في الخدمات والبناء والأشغال العمومية مساهمة إيجابية بلغت 5.5 في المائة و 5.4 في المائة على التوالي خلال الفترة 2001-2015، على الرغم من التباطؤ الملحوظ خلال الفترة الثانية.
كما كشفت أرقام الدراسة، عن أن الأثر السلبي لانخفاض معدل الشغل على مستوى معيشة السكان يعوض إلى حد كبير بالتحسينات في إنتاجية العمل. وقد تعزز ذلك من خلال زيادة الإنتاجية القطاعية للأنشطة الفلاحية والغابات والصيد البحري والأنشطة الصناعية. وسجلت هذه الأنشطة القطاعية، التي تشهد انخفاضا في معدلات الشغل، زيادة في إنتاجية العمل بنسبة 5.2 في المائة و3 في المائة سنويا على التوالي بين 2001 و2015. وتتسم أنشطة الخدمات والبناء والأشغال العمومية، التي تساهم ايجابيا بتحسن معدلات الشغل في نمو الناتج الداخلي الإجمالي للفرد، بارتفاع طفيف في إنتاجية العمل التي تبلغ 2.1 في المائة و 0.9 في المائة سنويا على التوالي خلال هذه الفترة.
أما في ما يخص مساهمة القطاعات في تحسين الناتج الداخلي الإجمالي للفرد، ساهم ساهم القطاع الفلاحي بنسبة 25٪ والقطاع الصناعي بنسبة 20.4٪، مع العلم أن القطاعات المتبقية (البناء والأشغال العمومية والخدمات) ساهمت بنسبة 15.8٪.
وذكرت الدراسة، أن نمو إنتاجية العمل في الاقتصاد الوطني ظل معتدلا بمتوسط قدره 3٪ سنويا خلال الفترة 2001-2015، ويرجع ذلك إلى أن الحركية بين القطاعات كانت تحدث عامة بين أنشطة ذات إنتاجية منخفضة، مما يعكس التحول البطيء للنسيج الإنتاجي الوطني.
وعلى مستوى الاقتصاد الوطني ككل، أوضحت المندوبية، أنه لم يتعد فائض الإنتاجية نسبة 1.2٪ في المتوسط السنوي خلال الفترة 2000- 2014 . وقد عرف الشغل براتب تحسنا سنويا على مستوى الفائض بلغ 1.1٪ ويليه في هذا الشغل بدون راتب بنسبة 0.6٪ خلال الفترة 2000-2014. وكان فائض الإنتاجية لعامل رأس المال قد عرف مسارا سلبيا اذ سجل نسبة ناقص 0.1٪ سنويا خلال الفترة 2000-2008 و ناقص 0.8٪ خلال الفترة 2009-2014 (ناقص 0.4٪ خلال الفترة 2000-2014).
وقد تم توزيع معظم فائض الإنتاجية على الشغل كعامل إنتاج بنسبة 1٪ للشغل براتب و0.5٪ للشغل بدون راتب، حسب الدراسة ذاتها، بينما لم يستفد عامل رأس المال من هذا الفائض. وتابعت الدارسة أن "توزيع القيمة المضافة بالإضافة إلى توزيع فائض إنتاجية الاقتصاد يجعل من الممكن ملامسة التطور الفعلي لدخل عوامل الإنتاج". وفي هذا الإطار، سجلت أن "حصة دخل عامل الشغل في القيمة المضافة فقدت نسبة سنوية متوسطة قدرها 0.1 نقطة مئوية خلال الفترة 2000-2014 . وتتحسن هذه النسبة في القطاع غير الفلاحي بنسبة 0.2 نقطة مئوية سنويا، بينما تنخفض بمقدار نقطتين في القطاع الفلاحي".
للإشارة، تهدف هذه الدراسة إلى الالمام بالعوامل الهيكلية التي ساهمت في نمو القيمة المضافة للفرد في المغرب، ولاسيما التأثير الديمغرافي وتأثير الشغل وتأثير إنتاجية العمل. بالاضافة الى ما سبق، فهي تسلط الضوء على مساهمة إعادة االتوزيع القطاعي للشغل وكثافة رأس المال والإنتاجية الإجمالية للعوامل من أجل تحسين إنتاجية الشغل .
ولقد تمت مقاربة العامل الديمغرافي من خلال حاصل عدد الأشخاص في سن العمل نسبة إلى مجموع السكان. وهي تعبر عن عبء تمويل إجمالي الساكنة الذي تتحمله الساكنة النشيطة. ويمكن تحسن هذه النسبة الديمغرافية من الزيادة في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي. كما تمت مقاربة تأثير الشغل من خلال معدل الشغل، الذي يعكس حاصل عدد السكان المشتغلين نسبة إلى عدد السكان في سن العمل، وهو يأخذ في الاعتبار كلا من التغيرات في معدل النشاط والبطالة. وتمكن الزيادة في معدل النشاط أو الانخفاض في معدل البطالة من تحسين معدل الشغل وبالتالي تحسين مستوى معيشة سكان البلد.