هذه مساعدات أمريكا للمغرب التي يهدد ترامب بوقفها بسبب القدس

غسان الكشوري

قبل أن تصوت 128 دولة، ضد استخدامه حق "الفيتو" بشأن القدس، هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بقطع المساعدات المالية التي تمنحها بلاده، عن الدول التي ستصوت ضده، بما فيها المغرب. الأخير دأب كل سنة على أخذ تلك المساعدات لتنمية قطاعاته الحيوية. لكن وبإزاء هذا الوضع، وقبل التساؤل حول مدى تأثير وعيد ترامب على المغرب، كم تبلغ قيمة المساعدات المالية، وأين يتم صرفها؟

قامت "الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية" (USAID)، أمس الأحد، بتحديث إحصائياتها وأرقامها، التي كانت متوقفة على سنة 2016، للدعم الخارجي الذي تقدمه بلادها إلى دول العالم. وبلغت قيمة المساعدات المالية خلال 2017، زهاء 22 مليار دولار، موزعة على 179 دولة في العالم.

قبل نهاية هذه السنة، سجلت الوكالة المشرفة على أرقام المساعدات الموزعة في العالم بشكل تفصيلي، أن المغرب خصصت له مساعدات، بلغت أكثر من 34 مليون دولار (نحو 34 مليار سنتيم)، مسجلا تراجعا كبيرا، مقارنة مع السنة الماضية، التي حصل فيها على أكثر من 82 مليون دولار أمريكي.

بحسب الوكالة الدولية، فإن المغرب أعطى أولية للتعليم على الحكامة هذه السنة، بحيث قسم 34 مليون دولار التي منحت له، إلى 15 مليون دولار للتعليم، و10م للحكامة والمجتمع المدني. كما خصص 4.8م للتكاليف الإدارية، و1.4م للمياه والمرافق الصحية، إضافة لـ2.4م لقطاعات أخرى.

ويقوم المغرب بتدبير هذه المساعدات وتنفيذ مشاريعها، تحت وصاية برامج دولية، منها برنامج الوكالة الدولية للتنمية (US. Agency for International Development)، التي أشرفت خلال 2017، على 30.2 مليون دولار أمريكي. بينما تكلفت هيئة السلام (Peace Corps) التابع للحكومة الأمريكية، بنتفيذ مشاريع بلغت 3.7 مليون دولار.

من جانب آخر لم تحدد إحصائيات الوكالة الدولية لحد الآن، نسبة ميزانية المشاريع المخصصة للأمن العسكري مقابل المشاريع الاقتصادية. مع العلم أنه في سنة 2016 تم تخصيص 23 بالمائة من المساعدات الأمريكية للمجال العسكري، فيما 77 بالمائة خصص لمشاريع اقتصادية تنموية.

المساعدات المقدمة إلى المغرب منذ سنة 1946

وفي سياق متصل، وبالمقارنة مع الدول العربية، صنف المغرب خلال سنة 2017 في المرتبة العاشرة، من بين 17 دولة تتلقى مساعدات مالية محليا. حيث حل الأردن في المرتبة الأولى، بمبلغ مساعدات يصل لـ 813 مليون دولار أمريكي، متبوعة بسوريا بـ729م، واليمن والعراق وفلسطين والسودان، ثم مصر ( بـ141م)، التي تقهقرت حصتها من الدعم بشكل كبير، بعدما كانت في مقدمة الدول المستفيدة.

يذكر أنه خلال هذه السنة، ومع وصول ترامب إلى سدة الحكم، قلصت الولايات المتحدة الأمريكية من منحها المالية لدول العالم. ففي السنة الماضية، وعلى غرار ما سبقها، كانت المساعدات المالية تبلغ حوالي 49 مليار دولار موزعة على أكثر من 200 دولة. لكن وخلال 2017 بلغت المساعدات المالية 22 مليار دولار لـ 179 دولة فقط، بحسب أرقام الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية.

وعيد "ترامب" على المغرب

يرى الخبير في العلاقات الدولية، إدريس لكريني، أن العلاقات الأمريكية والمغربية ورغم كونها متناغمة ومتعاونة في عدة قضايا وجوانب، "لكن هذا لا يعني التماهي مع سياستها تجاه القضية الفلسطينية أو غيرها". مضيفا أن "المغرب اتخذ قرار وقوفه في وجه ترامب، بمنطق الربح والخسارة في بعده الاستراتيجي، ومن منطلق إيمانه بالشرعية الفلسطينية، لا على المستوى الرسمي بما فيه الحكومة والملك، ولا على مستوى الشعبي والرأي العام"، وفق المتحدث ذاته.

أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض بمراكش، في حديثه لـ"تيلكيل عربي"، اعتبر أن "قرارا استراتيجيا مثل هذا، لا يمكن أن يتم بجرة قلم، إذ إن الرئيس لا يتحكم لوحده في هذه الإجراءات التي يقف وراءها مؤسسات ورأي عام، وكذلك لوبيات". وبالتالي فسحب المساعدات المالية، بحسب لكريني، "يكاد يكون صعبا أو شبه مستحيل من طرف الولايات المتحدة الأمريكية، لأنه سيضر مصالحها في المنطقة، وسيزيدها عزلة أكثر. كما سيوثر علاقاتها الخارجية مع باقي الدول، بما فيهم حلفاءها".

من جهته، يرى محمد حركات الخبير في الاقتصاد السياسي، أن "النظر إلى هذا الأمر من ناحية اقتصادية فحسب لا يكفي؛ فالسياسة عامل أساسي يحرك الطرفين"؛ الدولة الأمريكية والدول العربية بالخصوص. "إن لجوء ترامب إلى التهديد بالمال ما هو إلا دليل على خسارة وانهزام سياسي، ولذا فمن الصعب تنفيذ وعيده في ظل خصوماته السياسية"، يضيف حركات، مدير المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والحكامة الشاملة، في حديثه لـ "تيلكيل عربي".

بالنسبة للدول العربية، يستحضر حركات، مصر مثالا. فهذه الأخيرة تتلقى دعما أمريكيا كبيرا، يصل إلى مليارات الدولارات، كل سنة. لكن ورغم حاجتها وعوزها لذلك، فإنها تزعمت الدول المدافعة عن القضية الفلسطينية، ووقفت في وجه حليفها ترامب، "بسبب خوفها من الإرادة الشعبية ومن الشارع".

هذا الأمر، بحسب الخبير، "دفع قادة الدول العربية، بما فيها المغرب، إلى التنازل وتحمل العواقب الاقتصادية، من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي لبلدهم".