كشفت صحيفة "لا راثون" الإسبانية، أن المغرب يعتزم، بتعاون وثيق مع الولايات المتحدة وفرنسا، بناء مطار عسكري بالأقاليم الجنوبية. يعد هذا المشروع جزءًا من تعزيز التعاون العسكري بين هذه الدول، ويهدف إلى تعزيز الحضور العسكري بالمنطقة الحساسة استراتيجيًا، مما قد يغير من موازين القوى بها.
وأشار المصدر ذاته إلى أن باريس تشارك في مشروع بناء قاعدة-مطار في أقصى جنوب الصحراء لإطلاق عمليات جوية ضد الإرهاب الجهادي في منطقة الساحل.
في هذا السياق، تواصل موقع "تيلكيل عربي" يوم الخميس، مع محمد الطيار، الخبير الأمني ورئيس المرصد الوطني للدراسات الاستراتيجية، الذي أفاد بأن إنشاء قادة عسكرية في منطقة جنوب الصحراء يعد خطوة مهمة للغاية وتغييرًا جوهريًا في الاستراتيجية المتبعة في الساحل الإفريقي.
وأضاف الطيار، أنه لا يجب أن نغفل أن فرنسا قد انسحبت من منطقة الساحل في عام 2021 بعد أكثر من ثمان سنوات من عملياتها العسكرية "سرفال" و"برخان"، حيث كان الهدف المعلن هو مكافحة التطرف والإرهاب في المنطقة. ورغم هذه الجهود، فقد فشلت فرنسا بشكل كبير في تحقيق هذا الهدف، حيث وجدت نفسها أمام تحديات متزايدة، في وقت كانت أساليب الجماعات الإرهابية تتطور بشكل خطير للغاية.
وأشار الخبير الأمني إلى أن تدخل فرنسا في مالي عام 2013 جاء بعدما أصبحت الحركات الإرهابية على وشك السيطرة على العاصمة المالية باماكو، حيث تدخلت أولًا عبر عملية "سيرفال"، التي انطلقت بواسطة طائرات عسكرية فرنسية كانت قد أقلعت من قاعدة فرنسية في بوركينا فاسو. بعد ذلك، تم الإعلان عن عملية "برخان" التي تضمنت حوالي 5000 جندي فرنسي، واستمرت هذه العملية حتى عام 2021، أي نحو ثمان سنوات. ورغم هذه الجهود، فقد فشلت فرنسا في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، كما حاولت تأسيس ما يسمى "جي 5"، وهو جيش مشترك من الدول الخمس المكونة لمنطقة الساحل، ولكنها فشلت أيضًا في هذه المعادلة.
الخبير الأمني، أبرز أن فرنسا كانت قد أعلنت عن إنشاء قوة جديدة في عام 2020 تحت اسم "تاكوبا"، لكن هذه القوة فشلت هي الأخرى في تحقيق أهدافها. لذلك، يعتبر الإعلان عن إنشاء قاعدة عسكرية في المغرب بمثابة إعادة ترتيب للتوازنات في المنطقة وعودة فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية إلى الساحة، إلى جانب المغرب، بعد أن انسحبتا في السنوات الأخيرة. فقد انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية من قاعدتين في النيجر، في حين انسحبت فرنسا من عدة دول مثل بوركينا فاسو والنيجر وتشاد ومالي. لذا، يمكن اعتبار هذه العملية بمثابة إعادة تموضع جديد لفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية والمغرب في منطقة الساحل الإفريقي.
واستطرد قائلاً: "نفس الأمر ينطبق على الأمم المتحدة، حيث انسحبت بعد فشلها في تحقيق استتباب الأمن في هذه المنطقة. وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، التي كانت توجد عبر قاعدة عسكرية في النيجر، لكنها انسحبت أيضًا. وخلال فترة تواجد القوات الفرنسية في هذه المنطقة، كانت الولايات المتحدة تقدم مساعدات على مستوى المعلومات واللوجيستيك في إطار عملية "برخان" الفرنسية".
وأفاد أنه بعد التطورات الحاصلة في منطقة الساحل الإفريقي، وتوسع العمليات الإرهابية بشكل أكبر من السابق، وتهديد مصالح الدول الغربية، بالإضافة إلى توسع التواجد الروسي في المنطقة عن طريق مجموعة "فاغنر" أو ما تم الإعلان عنه من قبل روسيا بإنشاء قوات خاصة بإفريقيا، كل هذه العوامل تجعل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا يعتمدون بشكل كبير جدًا على المغرب.
وفي سياق متصل، قال إن المغرب يلعب دورًا مهمًا جدًا في استتباب الأمن في هذه المنطقة، ففضلاً عن الروابط التاريخية العريقة التي تجمع هذه المنطقة بالمغرب عبر العصور، هناك أيضًا المبادرة التي طرحها المغرب أمام هذه الدول، والتي قوبلت بترحاب وإشادة كبيرة. وتتمثل هذه المبادرة في "مبادرة الأطلسي" التي تتيح لدول منطقة الساحل الإفريقي استخدام الموانئ والطرق المغربية، مما يسهم في فك الحصار عنها ومكافحة الهشاشة الاجتماعية وغيرها من التحديات.
وبين أن هذا الأمر يتطلب، كما هو معلوم بالفعل، استتباب الأمن في هذه المنطقة والقضاء بشكل نهائي على الجماعات المتطرفة التي أصبحت أكثر توسعًا، حيث سيطرت على عدة مناطق جغرافية بمنطقة الساحل. في دولة بوركينافاسو، على سبيل المثال، لم تعد تسيطر إلا على حوالي 30 بالمائة من أراضيها، والأمر نفسه ينطبق على النيجر ومالي، حيث أصبحت الجماعات التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية (ولاية الساحل التابعة لداعش) وجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" تسيطر على مناطق شاسعة. بل إن هذه الجماعات أصبحت تهدد الحدود الشرقية الموريتانية بشكل خطير.
وأضاف أن إنشاء هذه القاعدة العسكرية يعد عملية ذات وجهين. الأول هو تمهيد الطريق أمام مشروع فتح المجال لدول الساحل للوصول إلى المحيط الأطلسي، وهو المشروع الذي طرحه المغرب بقوة.
واختتم حديثه قائلاً: "النقطة الثانية هي الحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، اللتين انسحبتا مضطرتين من هذه المنطقة. أما بالنسبة للتهديد الإرهابي، فإنه يظل حاضرًا بشكل دائم، وسيظل مهددًا للأمن القومي المغربي بشكل كبير. لكن تبقى الاختيارات الاستراتيجية، وهذا الأمر سيعزز دور المغرب في المنطقة، كما أنه يخدم بشكل كبير جدًا الصحراء المغربية".