شهدت السوق العقارية بالمغرب، خلال الفصل الرابع من سنة 2024، انتعاشا ملحوظا؛ إذ سجل مؤشر أسعار الأصول العقارية ارتفاعا بنسبة 1.3 في المائة، مقارنة بالفصل السابق، مدفوعا بزيادات متفاوتة في أسعار العقارات السكنية، والأراضي الحضرية، والعقارات المهنية.
وحسب وثيقة صادرة حديثا عن بنك المغرب توصل "تيلكيل عربي" بنسخة منها، لم يكن هذا التحسن فقط على مستوى الأسعار، بل انعكس، أيضا، على ارتفاع حجم المعاملات العقارية بنسبة 43.9 في المائة؛ ما يعكس استعادة السوق لحيويتها بعد فترة من الركود.
زيادات متفاوتة
وتظهر البيانات أن العقارات السكنية سجلت ارتفاعا طفيفا بنسبة 1.1 في المائة، على أساس سنوي، في حين قفزت المعاملات المرتبطة بها بنسبة 42.7 في المائة؛ مما يشير إلى إقبال متزايد على هذا النوع من العقارات، سواء من قبل الأفراد أو المستثمرين. أما الأراضي الحضرية، فقد ارتفعت أسعارها بنسبة 1.4 في المائة، فيما شهدت المعاملات العقارية الخاصة بها زيادة بنسبة 35.2 في المائة.
ومن جهة أخرى، كانت العقارات المهنية الأكثر استفادة من هذا الانتعاش؛ حيث شهدت أسعارها ارتفاعا بنسبة 1.7 في المائة، بينما ارتفعت معاملات البيع بنسبة 79.9 في المائة، وهي نسبة تعكس اهتمام المستثمرين المتزايد بهذا القطاع، خاصة مع استعادة الأنشطة التجارية لعافيتها بعد التباطؤ الاقتصادي الذي عرفته السنوات الأخيرة.
استمرار النمو رغم التحديات
وعند مقارنة أداء السوق العقارية في الفصل الرابع من 2024 بالفترة ذاتها من العام السابق، يتضح أن المؤشر العام للأسعار سجل ارتفاعا بنسبة 0.8 في المائة.
ويُعزى هذا الارتفاع إلى زيادة أسعار العقارات السكنية بنسبة 1.1 في المائة، إلى جانب ارتفاع أسعار الأراضي الحضرية بنسبة 1 في المائة، فيما بقيت العقارات المهنية شبه مستقرة عند معدل 0.1 في المائة فقط.
أما في ما يخص حجم المعاملات، فقد ارتفع بنسبة 17.7 في المائة، على أساس سنوي؛ وهو ما يعكس تحسنا مستمرا في السوق مقارنة بالفصول السابقة؛ حيث ساهمت عدة عوامل في تعزيز الطلب؛ من بينها تحسن قدرة الأفراد على التمويل، وانتعاش القطاعات الاقتصادية المختلفة التي تدعم الاستثمار في العقار.
الاختلافات بين المدن: أين سجلت أكبر الزيادات؟
لم يكن النمو العقاري متساويا عبر مختلف المدن المغربية؛ حيث شهدت بعض المناطق زيادات كبيرة في الأسعار وحجم المعاملات، بينما سجلت مناطق أخرى استقرارا نسبيا.
وسجلت الدار البيضاء، القلب الاقتصادي للمغرب، ارتفاعا في الأسعار بنسبة 2.1 في المائة، مدفوعا بزيادة ملحوظة في أسعار الأراضي بنسبة 7.1 في المائة، والعقارات السكنية بنسبة 1.8 في المائة. في المقابل، قفزت المعاملات بنسبة 47.6 في المائة؛ ما يعكس انتعاش الطلب على العقار في هذه المدينة الحيوية.
أما الرباط، العاصمة الإدارية، فسجلت ارتفاعا بنسبة 2.3 في المائة في الأسعار، بينما شهدت العقارات المهنية في المدينة زيادة غير مسبوقة بنسبة 11.8 في المائة. كما ارتفعت المعاملات بنسبة 79.1 في المائة، وهو أعلى معدل نمو مسجل بين المدن الكبرى.
من جهتها، سجلت مراكش، الوجهة السياحية الأولى في المغرب، ارتفاعا في الأسعار بنسبة 2.7 في المائة، خاصة في فئة العقارات السكنية التي سجلت زيادة بـ4.1 في المائة. أما المعاملات، فقد ارتفعت بنسبة 130.7 في المائة، بعد انخفاضها الحاد، في الفصل الثالث من العام.
بينما سجلت طنجة، التي تعد بوابة المغرب الاقتصادية نحو أوروبا، ارتفاعا بنسبة 1.7 في المائة في الأسعار، مدفوعة بزيادة 4.2 في المائة في العقارات المهنية. كما شهدت المعاملات نموا بنسبة 18.6 في المائة؛ مما يشير إلى استقرار السوق العقارية في المدينة.
عوامل الانتعاش وتوقعات السوق المستقبلية
ويرجع العديد من الخبراء هذا الانتعاش الملحوظ في السوق العقارية إلى مجموعة من العوامل الاقتصادية والاستثمارية. فمن جهة، شهد المغرب تحسنا في المناخ الاستثماري؛ بفضل الاستقرار النسبي في أسعار الفائدة وعروض التمويل العقاري المشجعة؛ مما زاد من إقبال الأفراد على شراء العقارات، سواء للسكن أو الاستثمار. ومن جهة أخرى، فإن عودة بعض الأنشطة الاقتصادية إلى طبيعتها، بعد فترة من التباطؤ، أسهمت في تحريك عجلة الطلب على العقارات، خاصة المهنية منها.
التحديات والرهانات المستقبلية
وعلى الرغم من المؤشرات الإيجابية، لا يزال القطاع العقاري في المغرب يواجه تحديات قد تؤثر على وتيرة نموه في المستقبل القريب. فمسألة القدرة الشرائية للمواطنين تبقى عاملا حاسما؛ حيث إن الارتفاع التدريجي في الأسعار قد يقلل من إمكانية امتلاك العقارات بالنسبة للطبقات المتوسطة. كما أن ارتفاع تكلفة مواد البناء قد يكون له تأثير سلبي على الأسعار النهائية؛ مما قد يحد من توسع السوق العقارية.