أبدى المؤرخ الخبير السياسي الأمريكي، مايكل روبين، في مقال صادر حديثا عنه، استغرابه من مواصلة أمريكا إنفاق ملايين الدولارات، سنويا، على بعثة الأمم المتحدة في الصحراء المغربية "المينورسو"، رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود دون تحقيق أي تقدم نحو الهدف الذي أنشئت من أجله.
وتابع روبين أنه مع استمرار هذه البعثة في استنزاف الموارد الدولية، يصبح التساؤل مشروعا: "لماذا تستمر واشنطن في تمويل عملية حفظ سلام لم تحقق نتائج ملموسة، بل ربما أصبحت جزءا من المشكلة؟".
صفر هدف
وسجل الخبير، الذي شغل منصب مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأمريكية، أنه بعد 34 عاما على إنشاء مجلس الأمن الدولي بعثة "المينورسو"، وإنفاق مليارات الدولارات، لم تتمكن هذه الأخيرة حتى من "إجراء إحصاء سكاني".
وتساءل المتحدث نفسه: "اليوم، تعترف أمريكا، رسميا، بسيادة المغرب على الصحراء؛ ما يثير التساؤل حول استمرار تمويلها لبعثة أصبحت لا تخدم أي هدف سياسي أو استراتيجي أمريكي. فعلى الرغم من وضوح الموقف الأمريكي، لا تزال واشنطن تموّل بعثة الأمم المتحدة التي تبرر وجودها عبر الأعذار الإدارية، بعضها مشروع، وبعضها الآخر غير ذلك، لكنها لم تحقق أي خطوة فعلية نحو تسوية النزاع".
كيف تساهم "المينورسو" في استمرار النزاع؟
وأوضح روبين أنه "بدلا من تحقيق السلام أو دفع عملية الاستفتاء إلى الأمام، أصبحت "المينورسو" جزءا من الأزمة. فمن خلال استمرار عملها، تمنح البعثة غطاء دبلوماسيا ودعما غير مباشر لجبهة "البوليساريو"، وهي جماعة انفصالية مدعومة من الجزائر تدّعي تمثيل الصحراويين، بينما تمنع، في الوقت ذاته، اللاجئين في مخيمات تندوف بالجزائر من العودة إلى المغرب والانضمام إلى عائلاتهم".
وأضاف أن "البوليساريو تحتجز آلاف اللاجئين كرهائن سياسية، وتستخدم المخيمات وسيلة ضغط، مستفيدة من استمرار تدفق التمويل الدولي إلى "المينورسو"، الذي يبرر بقاء الوضع على ما هو عليه. وفي هذه الأثناء، أصبحت البعثة الأممية في الصحراء شبه غائبة عن أي دور حقيقي؛ حيث أصبح من السهل العثور على مسؤوليها في الحانات والفنادق في العيون والداخلة أكثر من أي نشاط ميداني حقيقي".
تمويل أمريكي لا يتماشى مع السياسة الأمريكية
وأبرز الخبير السياسي أن استمرار تمويل "المينورسو"، اليوم، يتناقض، بشكل صارخ، مع سياسة أمريكا التي اعترفت، في عام 2020، بسيادة المغرب على صحرائه؛ إذ يُبقي على وجود بعثة أممية تدعم ضمنيا بقاء النزاع مفتوحا، بدلا من العمل على حله.
وتابع روبين أن أمريكا ليست فقط الممول الرئيسي للأمم المتحدة، بل تدفع جزءا كبيرا من ميزانية بعثات حفظ السلام، بما في ذلك "المينورسو". ومع الاعتراف الرسمي بسيادة المغرب، فإن استمرار هذا التمويل يثير تساؤلات حول أولويات الإنفاق الدولي لواشنطن، خاصة في وقت تواجه فيه تحديات مالية داخلية وضغوطا لتقليص النفقات الخارجية غير الضرورية.
الحل؟
وقال الخبير: "إن كانت أمريكا جادة في توجيه إنفاقها بما يخدم مصالحها الاستراتيجية، فإن الخطوة المنطقية التالية هي وقف تمويل "المينورسو" والدفع نحو إنهاء هذه البعثة. فالاستمرار في دعم بعثة فاشلة لا يؤدي إلا إلى إطالة أمد نزاع لم يعد هناك مبرر لاستمراره".
كما أكد: "يجب أن يتحرك الكونغرس الأمريكي لفرض قيود على أي تمويل مستقبلي لهذه البعثة، والتأكد من أن الموارد الأمريكية تُستخدم بشكل أكثر فعالية. فبدلا من إنفاق الأموال على عمليات حفظ سلام بلا جدوى، يمكن توجيه هذه الموارد إلى برامج تعزز الاستقرار الحقيقي في شمال إفريقيا، بالشراكة مع المغرب كحليف موثوق".
رسالة واضحة
واعتبر روبين أنه إذا كانت الأمم المتحدة ترغب في تجنب تقليص التمويل الأمريكي، فعليها إعادة النظر في بعثاتها غير الفعالة، وفي مقدمتها "المينورسو"، مطالبا بـ"وجوب وجود سقف زمني صارم لعمليات حفظ السلام؛ بحيث لا تتجاوز عشر سنوات دون تحقيق نتائج ملموسة، وإلا يتم إنهاؤها تلقائيا. لقد آن الأوان لإنهاء تمويل بعثة أصبحت مجرد بيروقراطية دولية بلا أي تأثير حقيقي، والاستثمار بدلا من ذلك في شراكات أكثر فاعلية تعزز الأمن والاستقرار في المنطقة".