في الوقت الذي تتركز فيه الأضواء على الوجهات السياحية الكبرى تعيش المدن الصغرى على هامش خريطة الجاذبية. في هذا الإطار، أزاحت إيمان صابر، رئيسة المجلس الإقليمي للسياحة بورززات، الستار عن منظومة من العوامل البنيوية والعملية التي تبرر ضعف تفاعل المؤسسات البنكية والمالية مع الاستثمار السياحي بورززات.
وفي كلمته بمناسبة اليوم الإخباري والتفكيري الذي خصص لتحديد روافع تعزيز وتقوية الجاذبية السياحية لإقليم ورززات، أبرز عبد الله جاحظ، عامل إقليم ورززات، أهمية الثروات والمناظر الاستثنائية والفرص الاجتماعية والاقتصادية التي تزخر بها المنطقة. مشيرا إلى أن هذه المزايا الطبيعية والثقافية يجب أن تُعزز بالضرورة من خلال مقاربة ترابية متكاملة، تقوم على شراكات قوية ودائمة.
وشدد العامل على ضرورة تقييم دقيق للوضع الحالي للقطاع، مع تحديد واضح للتحديات التي يجب تجاوزها، وكذلك الموارد التي يجب تعبئتها. كما دعا إلى صياغة توصيات ملموسة وعملية لصالح تنمية سياحية عالية القيمة المضافة، تقوم على الابتكار والاستدامة والإدماج.
وفي هذا الصدد، قالت رئيسة المجلس الإقليمي للسياحة، في تصريح لـ"تيلكيل عربي" اليوم الأربعاء، إنه يجب على المؤسسات البنكية والمالية مواكبة هذه الدينامية التي لم نلمسها على أرض الواقع، مشيرة إلى عدة عوامل تفسر ضعف تفاعل هذه الأخيرة مع الاستثمار السياحي في ورززات.
وأفادت أن هناك نوعا من الجهل، أو التصورات الخاطئة، حول الإمكانيات الحقيقية للجهة، خاصة من طرف مراكز القرار البنكية المتمركزة في الدار البيضاء أو الرباط. فورززات ليست فقط وجهة سينمائية، بل هي أيضًا منطقة ذات مؤهلات سياحية وثقافية واستثمارية كبيرة.
وكشفت أن هناك تحفظا مفرطا من طرف بعض المؤسسات البنكية، التي تنظر إلى الاستثمار السياحي خارج المدن الكبرى كاستثمار عالي المخاطر، دون الأخذ بعين الاعتبار الخصوصيات المجالية والفرص المرتبطة بالسياحة المستدامة أو الثقافية.
وأضافت صابر أن هناك حاجة إلى آليات تمويل مبتكرة ومتلائمة مع طبيعة المشاريع السياحية الجهوية، سواء من حيث آجال السداد، أو نسب الفائدة، أو شروط الضمان. حيث أكدت أن الدولة، من خلال برنامج Cap Hospitality، قامت بخطوة مهمة عبر التكفل بسداد فوائد القروض البنكية، لتشجيع الاستثمار السياحي، خصوصًا في المناطق التي تحتاج إلى تحفيز حقيقي. ومع ذلك، لا تزال الاستجابة البنكية دون التوقعات، ما يتطلب تعبئة جماعية أقوى.
وقد صمم مخطط "رايزينغ ورزازات"، الذي أطلقه المكتب الوطني المغربي للسياحة (ONMT) حديثا، خصيصا للمنطقة، بهدف إعادة وضع ورززات كوجهة فريدة، تقع عند ملتقى الصحراء والتراث السينمائي والانغماس الثقافي.
وتدمج هذه الاستراتيجية تعزيز الهوية السينمائية للمدينة، من خلال إنتاج محتويات سمعية بصرية بالمملكة المتحدة، ورعاية فيلم بريطاني في مهرجانات كبرى، وشراكات إعلامية مع قنوات أوروبية مثل RAI 3 أو Sky TV. والهدف هو تسليط الضوء على الثراء الثقافي والمطبخ الجنوبي المغربي.
وأفادت صابر "صحيح أن دورنا في المجلس الإقليمي للسياحة يتركز بالأساس على الترويج للوجهة السياحية وإبراز المؤهلات الغنية التي يزخر بها الإقليم، لكننا لا نقف عند هذا الحد. نحن نعتبر أن مواكبة المستثمرين والتنسيق مع الفاعلين المؤسساتيين والماليين جزء لا يتجزأ من مسؤوليتنا، لأن النجاح السياحي لا يُبنى فقط على الصورة والهوية، بل كذلك على تحفيز الاستثمار وتوفير الشروط الواقعية لإنجاحه".
وفي السياق ذاته، أبرز عبد الله جاحظ ضرورة الانخراط الكامل في روح التوجيهات الملكية، التي تدعو إلى حكامة منفتحة وتشاركية في صياغة وتنفيذ السياسات العمومية. ووجه دعوة واضحة إلى تعبئة جميع الأطراف المعنية – المؤسسات، والجماعات الترابية، والمستثمرين الخواص، والمجتمع المدني – لبناء نموذج سياحي مرن، شامل وهيكلي.
وفي ما يخص الربط الجوي والترابي، قالت صابر إن وزير النقل أكد أن الدراسات المتعلقة بمشروع "نفق تيشكا" الرابط بين مدينتي مراكش وورززات، خلصت إلى ترجيح المسار الذي يمر عبر منطقة أوريكة على امتداد 10 كيلومترات. وقد تم التأكيد على أن هذا الخيار يتمتع بعدة إيجابيات، من بينها كونه بديلاً للطريق الوطنية رقم 9، إضافة إلى كونه سيساهم في تقليص مدة السفر بين المدينتين بحوالي 80 دقيقة بالنسبة للسيارات الخفيفة، و112 دقيقة بالنسبة للشاحنات، مما يبرز الأهمية الاستراتيجية لهذا الربط باعتبار مدينة أكادير أقرب منفذ بحري لجهة درعة تافيلالت، ودوره الحيوي في دعم التنمية الاقتصادية والسياحية للمنطقة.
وقالت صابر إن ورززات تشهد حاليًا دينامية قوية في القطاع السياحي، تجسدت من خلال إعادة فتح عدد من الوحدات الفندقية المغلقة، واستعداد المدينة لافتتاح فندقين مصنفين جديدين، بالإضافة إلى فنادق أخرى في طور التجديد والتأهيل، ومشاريع التنشيط السياحي.
واستطردت أنه "إلى جانب مشاريع الربط الطرقي الكبرى، لا يمكن أن نغفل أهمية الربط الجوي، باعتباره رافعة أساسية لتنمية السياحة والاستثمار. إن ربط ورززات جويًا ليس ترفًا، بل ضرورة استراتيجية، خصوصًا الربط مع مدن مغربية كبرى كمراكش والرباط. ونؤكد أيضًا على ضرورة إعادة النظر في خط ورززات – الدار البيضاء، مع مراعاة توقيت الرحلات ليكون مناسبًا لحاجيات المسافرين، وكذا فتح خطوط دولية مباشرة نحو دول الاتحاد الأوروبي، التي تمثل سوقًا رئيسية للوجهة.
وأضافت أنه "حينما نتحدث عن ربط ورززات، فنحن نقصد أيضًا ربط مجالي يشمل أقاليم مجاورة كزاكورة وتنغير وميدلت والراشيدية، لما يجمعها من تكامل طبيعي وثقافي وسياحي".
وخلصت إلى أن تطوير الربط الجوي يظل مشروطًا بمدى قدرة الوجهة على توفير الطاقة الاستيعابية الكافية وجودة المنتوج السياحي. وهذا يقود إلى نقطة محورية، وهي أن فتح الخطوط الجوية لا يمكن أن ينجح دون مواكبة استثمارية جادة، سواء على مستوى الإيواء، أو التنشيط، أو التأطير المهني، وهو ما يستدعي تعبئة جماعية من القطاعين العام والخاص لتأهيل العرض المحلي بما يوازي الطموحات.