عادت قضية "شيكات الضمان" في المصحات الخاصة إلى واجهة الجدل الصحي في المغرب، بعد أن وجّهت سلوى البردعي، النائبة البرلمانية عن المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، سؤالا كتابيا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية، طالبت فيه بتوضيحات عاجلة بشأن استمرار هذه الممارسة التي تثير قلقا واسعا في الأوساط الحقوقية والطبية.
واعتبرت البردعي أن اشتراط شيك كضمانة مالية قبل تقديم العلاج، لاسيما في الحالات المستعجلة، يُعد سلوكا مجحفا ينتهك الحق الدستوري في الصحة، ويضع حياة المرضى في خطر، مشددة على أن هذه الممارسة لا تقتصر على الخدمات الاختيارية أو العلاجات غير الطارئة، بل تمتد إلى حالات تستوجب التدخل الطبي الفوري؛ ما يخلق وضعيات إنسانية حرجة قد تؤدي إلى مضاعفات صحية أو تأخر في الإنقاذ.
وفي معرض سؤالها، نوّهت البرلمانية إلى أن القطاع الخاص يُعد أحد الأعمدة الأساسية للمنظومة الصحية الوطنية، خاصة في ظل ما يعانيه القطاع العمومي من نقص في الموارد البشرية والبنية التحتية. غير أن تحويل الرعاية الصحية إلى معادلة مالية خالصة، يضعف مبادئ العدالة والتكافؤ في الولوج إلى العلاج، ويقوّض الثقة في المؤسسات الصحية الخاصة.
القضية ليست جديدة. فقد سبق لمجلس المنافسة أن اعتبر فرض "شيكات الضمان" ممارسة غير قانونية تتعارض مع حقوق المستهلك، وتُجبر المريض على توقيع شيك قبل معرفة التكلفة الفعلية للعلاج أو استلام أي عرض مالي مفصل. كما نددت منظمات حقوقية بهذا الأسلوب الذي يضع المرضى في موضع تفاوض لا يملكون فيه خيارات فعلية، لاسيما في ظل محدودية التغطية التأمينية بالنسبة لفئات واسعة من المواطنين.
ورغم توجيهات وزارة الصحة المتكررة في هذا الشأن، وتحذيرها من استعمال الشيكات كوسيلة ضغط على المرضى أو ذويهم، ما تزال بعض المصحات تلجأ إلى هذا الأسلوب، خصوصا في الحالات غير المؤمّنة أو تلك التي لا تشملها التغطية الكاملة لصناديق الحماية الاجتماعية، وهو الواقع الذي يثير تساؤلات عن فعالية الرقابة الميدانية وآليات الردع القانوني.
وطالبت النائبة وزير الصحة بالكشف عن الإجراءات الملموسة التي تعتزم الوزارة اتخاذها لضمان ولوج المرضى للعلاج دون عراقيل مالية مسبقة، داعية إلى تفعيل المقتضيات الدستورية التي تكرّس الحق في الصحة كأحد الحقوق الأساسية للمواطن.
ويرى مراقبون أن استمرار هذه الظاهرة يعكس اتساع الهوة بين النصوص القانونية والممارسة الفعلية في مؤسسات العلاج الخاصة. كما يُعد من أبرز مظاهر "تسليع" الخدمات الصحية، التي تتطلب تدخلا هيكليا لإعادة ضبط العلاقة بين الدولة والقطاع الخاص الصحي، ووضع حدود واضحة بين منطق الربح ومتطلبات الرعاية الصحية الأخلاقية والإنسانية.
وتتزامن هذه الإحالة البرلمانية مع تصاعد النقاش العمومي حول مستقبل التغطية الصحية الشاملة، بعد انطلاق العمل بمنظومة التأمين الإجباري عن المرض. ويرى فاعلون في القطاع أن المرحلة تستدعي مراجعة شاملة للضوابط التي تحكم اشتغال المصحات، بما يضمن العدالة والكرامة في العلاج، وتكريس منطق الخدمة الصحية كمصلحة عامة لا كامتياز يُشترى بالضمانات المسبقة.