استقلال القضاء من منظور رئيس النيابة العامة

رئيس النيابة العامة محمد عبد النباوي (تصوير رشيد تنيوني)
الشرقي الحرش

قال محمد عبد النباوي رئيس النيابة العامة"إن استقلال النيابة العامة، جزء من استقلال السلطة القضائية. واستقلال السلطة القضائية، ليس مجرد شعار يرفعه الناس في خطاباتهم، ولا هو محض عنوان يعبر به البعض عن انتماءاتهم أو اختياراتهم ولكنه اقتناع بفلسفة في الحياة، يجب على من يرفع شعارها أن يلتزم بكل حمولاته الفكرية والواقعية".

وأضاف " استقلال القضاء هو اختيار لنظامٍ للتقاضي، يُؤْمِنُ فيه المتقاضي قبل غيره، أن القاضي المستقل سيطبق القانون على النزاع دون تأثير من جهة أخرى. فالاستقلال يحميه من تأثير تلك الجهات".

واعتبر عبد النباوي أن استقلال السلطة القضائية "لا يتأتى احترام استقلال السلطة القضائية فقط بعدم التدخل في أحكام القضاة ومقرراتهم، وإنما كذلك بالكف عن تناول الشأن القضائي خارج سياق الدستور في نقاشات أعضاء البرلمان".

وأضاف "الدستور لا يسمح للمحاكم بالتداول في مناقشات البرلمان ولا الخوض في مهامه الدستورية، إلاَّ في حدود ما تسمح به القوانين في ظروف محددة كالطعون الانتخابية، أو في حالة ارتكاب بعض المخالفات الجنائية مثلاً. والدستور لا يسمح للمحاكم بالتدخل في عمل الحكومة، ولا في عرقلة تصريفها لمهامها، إلاَّ في نطاق الحدود الضيقة التي تقرها القوانين، ولاسيما ما يتعلق بالطعن في القرارات الإدارية والمراسيم التنظيمية".

وزاد "وبطبيعة الحال، فإن الدستور لم يكتف بعدم السماح للسلطتين المذكورتين بعرقلة عمل المحاكم أو التدخل في مقررات القضاة أو التأثير فيها. وإنما جعل من القضاء سلطة مستقلة عن السلطتين التشريعية والتنفيذية. وهي خاصية ميز بها دستور المملكة القضاء عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنع مساءلتها أو محاسبتها من طرفهما. وأقام نظاماً خاصاً بمحاسبة القضاة ومؤسساتهم وأقر له آليات أخرى".
واعتبر عبد ال
وشدد عبد النباوي أن " استقلال السلطة القضائية بالمملكة المغربية اليوم هو حقيقة دستورية وقانونية .. يجب على الجميع أن يتعاون من أجل جعلها حقيقة واقعية كذلك. وإن جعلها حقيقة واقعية معاشة وملموسة، يتطلب أن يلتزم كل طرف من الأطراف السلطوية والمجتمعية بمضمون الدستور"

وتابع "لا يمكن أن يتجسد الاستقلال الدستوري للسلطة القضائية إزاء السلطة التنفيذية والتشريعية إلاَّ باحترام هذا الاستقلال شكلا ومضموناً، ومراعاة حدود التعاون بين السلطات، كما تأتى للمجلس الدستوري، ثُمَّ للمحكمة الدستورية، أن بَيَّنَاهُ بمقتضى عدة قرارات، ينص الفصل 134 من الدستور أن مضمونها ملزم لجميع السلطات"

وأضاف "إن استقلال القضاء لا يمكن أن يكون عرضة لنقاشات مجتمعية من طرف أفراد أو جماعات في المجتمع، لمجرد تضرر مصالحهم من جراء بعض المقررات القضائية، لأن طبيعة عمل القضاء هي أن ينتصر لخصم ضد خصمه، أو يأخذ من جهة لفائدة الجهة المقابلة، ولا مجال في أحكام القضاء لنظريات اقتسام النقط بالتعادل، كما في بعض الألعاب الرياضية".
ولفت عبد النباوي أن "قدر القضاء أن يَحْكُم لفريقٍ ضد فريق آخر. وقد يصيب وقد يخطئ، ولذلك فإن المقررات القضائية لا تكون قارة ونهائية، إلاَّ بعد خضوعها لمراجعات متعددة، يمكن خلالها تدارك ما فات وإصلاح ما أشكل ومراجعة الأخطاء".
وزاد "إن دفاع المجتمع عن استقلال القضاء، يقتضي القبولُ بأحكامه مبدئياً، والتظلمُ منها عند الاقتضاء بالطرق التي يتيحها القانون. وليس بمهاجمة النظام القضائي -وأحياناً الطعن في استقلاله- لمجرد أن مقررات القضاة لم تعكس وجهة نظر الطرف الذي يخسر الدعوى".
وأضاف " لو تم استعمال هذا المقياس، فإن نصف المتقاضين -على الأقل- سيكون غير راض عن أداء القضاء. علماً أن القضاة بشر يطبقون قانوناً وضعه بشر على أشخاص ينتمون للمجتمع، وهؤلاء يقدمون لإثبات دعاويهم أو نفيها حججا من صنع البشر. أي أن العدالة منتوج مجتمعي يؤثر في نتيجتها المدعي والمدعى عليه والشاهد والخبير والمبلغ، بالإضافة إلى ممتهني العدالة الآخرين وفي مقدمتهم القضاة والمحامون. ولا يمكن للقاضي أن ينطق سوى بحكم ساهم المجتمع في صنع وتجميع أثاته. وإذا أخطأ فهناك طرق للطعن يمكن استعمالها. وإذا انحرف فهناك إجراءات يمكن سلوكها، وجهات مسؤولة يمكن اللجوء إليها".