شادية أعراب: نساء الفراولة..كورونا "لالة ميمونة" كشفت ما يواجهن من مآسي

المختار عماري

قبل أسابيع انفجرت بؤرة وبائية في ضيعات التوت بمنطقة للا ميمونة بسهل الغرب، وقد كشف هذا الحادث الظروف القاسية التي تعيش فيها العاملات الفلاحيات. في هذا الحوار تعود الباحثة شادية أعراب إلى هذه الفئة الهشة من النساء المغربيات، وظروفهن.

 

ما هي العوامل الذي شجعت ظهور بؤر وبائية في الضيعات الفلاحية بمنطقة الغرب حيث أصيب المئات من العاملات؟

إن العمل في حقول التوت أو معامل التوت، يفرض على العاملات الاشتغال قرب بعضهن بعضا. ومن الصعب احترام التباعد الجسدي (متر واحد على الأقل) لما يشتغل في مكان ما مئات الأشخاص، بل والآلاف.

العامل الثاني يتمثل في النقل الجماعي والشروط التي يتم فيها. هكذا، فمن "الموقف" إلى مكان العمل (قد تبلغ المسافة بينهما عشرات الكيلومترات في بعض الأحيان)، تجد هؤلاء العاملات أنفسهن على متن ناقلات مهترئة، مكدسات ومتزاحمات كأنهن في علب السردين. والواقع أن هذا النقل يجري في ظروف خطيرة تؤدي في بعض الأحيان إلى حوادث سير. ومع هذه الأزمة الصحية، انضافت إذن صعوبة الالتزام بالتدابير الاحترازية طيلة المسافة الفاصلة بين مساكن العاملات والضيعات.

هناك أخيرا عامل ثالث يتمثل في إهمال السلطات المحلية. إذ كان على هذه السلطات التحرك بجدية منذ ظهور الحالة الأولى للإصابة بكورونا.

إذن انتقل عدد النساء المصابات من بضع عشرات إلى المئات في ظرف أيام معدودة. والمثير هنا أن التدابير التي فرضتها الحكومة على الصعيد الوطني كانت صارمة بينما في منطقة "للا ميمونة" كان التدبير المحلي كارثيا.

 

لماذا يتم تكليف النساء فقط بجمع هذا التوت؟

إنها فاكهة حساسة وهشة، وتتطلب في الآن نفسه مهارة معينة ولطفا أثناء جنيها، وهما خصلتان تنسبان عادة إلى النساء، حتى أن بعض الرجال يصفون هذا العمل بـ"النسوي".

وأتذكر هنا أنه خلال لقاءاتي بالرجال كان يعتبرون جني التوت، مهينا وعارا بالنسبة للذين يشتغلون فيه. ولعل هذا الأمر راجع إلى كون النساء يظللن منحنيات طيلة اليوم، وإلى كونه لا يتطلب قوة كبيرة، وهي من موصفات الذكور. إنها فاكهة حساسة تجنيها "نساء التوت بأنامل ملائكية" (وهنا أقتبس عنوان كتابي)، ولكن لها طعم مر، ويزداد مرارة لما تنفجر بينهن البؤر الوبائية.

 

ما هي المواصفات السوسيولوجية لهؤلاء النساء وكم يكسبن من هذا العمل؟

هؤلاء النساء من شرائح فقيرة، وينتمين في الغالب إلى الأوساط القروية، معظمهن أميات. وينحدرن من أسر هشة ولهن مسارات معقدة: غالبا ما يكن مطلقات أو أرامل، في بعض الأحيان يكن متزوجات ولكن الأزواج مرضى أو عاجزون عن العمل. وتكون اخريات أمهات عازبات.

إنهن في الغالب نساء يعشن في هشاشة كبيرة، وليس لديهن خيار آخر سوى الذهاب إلى "الموقف" إن كن يردن إعالة أسرهن. وأشير هنا إلى زميلتي "زهور بوزيدي" التي أنجزت بحثا حول العاملات الفلاحيات في منطقة الغرب، إذ قالت لها إحداهن: "إذا لم نشتغل سنموت من الجوع". وقالت لي النساء اللواتي التقيت بإسبانيا والمغرب- خلال لقاء نظم في سيدي قاسم عام 2018، بمساعدة من سمية دمناتي، الباحثة التي كانت تعد أطروحة الدكتوراه في الموضوع- إن حياتهن وحياة أسرهن رهينة بهذا العمل. إنها فعلا "هجرة للبقاء على قيد الحياة" حسب تعبير الباحثة "ساسكيا ساسن". فاللواتي يقصدن إسبانيا لهن هدف واحد: الخروج من الفقر المدقع الذي يتخبطن فيه بالمغرب، وبالتالي تربية أبنائهم وضمان تمدرسهم.. تحسين ظروف عيشهن وعيش أسرهن بالمغرب. إنهن يحاولن فقط الإفلات من الهامش الذي تم حشرهن فيه.

إنهن يتقاضين أجورا زهيدة للقيام بأعمال متواضعة، في المغرب الأجور تتراوح بين 50 و100 درهم في اليوم حسب الموسم والمنطقة؛ في إسبانيات يصل الأجر إلى حوالي 35 أورو في اليوم. ويجب وضع أجور الفقر هذه في إطار فلاحة معولمة، موجهة إلى التصدير وتتيح الثراء لفلاحين كبار يستغلون هؤلاء النساء.

في 2018، انفجرت فضيحة الاستغلال الجنسي للعاملات الموسميات المغربية بإسبانيا والاعتداءات الجنسية التي يتعرضن لها. هل هناك فرق في المعاملة التي تتعرض لها العاملات الفلاحيات اللواتي يعملن في المغرب واللواتي يهاجرن إلى إسبانيا؟

في الغالب لهن نفس المحددات السوسيولوجية، أي نساء فقيرات يلجأن إلى العمل لكسب قوتهن. وفي بعض الأحيان، يكن عاملات بالمغرب قبل الالتحاق بإسبانيا. الفرق الوحيد اليوم أن "نساء التوت" المهاجرات تحررن لأنهم يتمكن من جمع بعض المال خلال عملهن بإسبانيا. بل إن بعضهن تمكن من شراء عقارات صغيرة.

ولكن برنامج الهجرة الدورية بين المغرب وإسبانيا ليس منتظما ودائما. وفي بعض السنوات لا تتمكن سوى نساء قليلات جدا من الذهاب إلى إسبانيا (ما بين 2012 و2016 تمكنت 2500 امرأة فقط من الالتحاق بإسبانيا كل عام، بينما بلغ هذا العدد حالي 20 ألفا في 2019).

إن هذه الهجرة تطرح العديد من القضايا: الحقوق الاجتماعية (التعويض عن العطالة والتقاعد)، الحق في التنقل وتسوية الوضعية القانونية، الحق في الحميمية، الحق في الصحة... إلخ.

كما أن حالات التحرش الجنسي ليست حكرا على إسبانيا. في المغرب وفي كل مكان بالعالم، وعند وجود علاقات هيمنة مركبة (الطبقة الاجتماعية، العرق، والجنس) تنبني موازين قوى معينة، وتتحقق الظروف لكي تصدر مثل هذه السلوكات من الرجال.

هذه الاعتداءات الجنسية، التي أماطت عنها وسائل إعلام ألمانية اللثام في 2018، كشفت للعالم وجود هؤلاء النساء الخفيات (بالإضافة إلى الصحف الإسبانية والمغربية، ظهرت مقالات في "نيويورك تايمز" بالولايات المتحدة و"ذي غارديان" بإنجلترا، وصحف أخرى...)

كيف يمكن، حسب تقديرك، تحسين ظروف هؤلاء النساء؟

يجب الانتباه إلى عدد من الحقوق المهضومة اليوم(...) بالنسبة للنساء اللواتي يرحلن إلى إسبانيا، يجب تسوية وضعيتهن، حتى يتسنى لهن التحرك بكل حرية.

أعتقد أنه يجب التخلي عن الانتقاء التمييزي حيث يتم إقصاء الرجال. والحق أن الوضع اللاإنساني أكثر من غيره هو الاضطرار إلى ترك الأطفال لعدة شهور دون أمهم. وأخيرا يجب حمايتهن من خلال تمتيعهن بعدد من الحقوق، سواء في إسبانيا أو المغرب: التمتع بتغطية اجتماعية وصحية، الحصول على الحق في تعويضات العطالة والتقاعد، الحصول على مساكن ووسائل نقل ملائمة. كل هذا سيمكن من تحقيق تقدم مهم على مستوى حقوق الإنسان ولكن أيضا على مستوى تحقيق المساواة.

 

كيف تلوح حقبة "ما بعد كوفيد" بالنسبة إليهن؟

بالنسبة للواتي يوجدن حاليا بإسبانيا، يجب أن نعلم إن كان بإمكانهن العودة حاليا نظرا لإغلاق الحدود إلى غاية اليوم. وقد دعا "اتحاد الفلاحين الصغار" بمنطقة "هويلفا" (جنوب إسبانيا) إلى فتح ممر إنساني يسمح للمغربيات العودة إلى ديارهن، كما كان الحال مع الرومانيات والبلغاريات.

بالنسبة للواتي يعشن بالمغرب، فهن جزء من فئة النساء اللواتي يعانين من الهشاشة. من المفروض أن يحصلن على الدعم الذي قدمته الدولة للمتضررين من أزمة كوفيد 19، ولكن بعضهن أشرن إلى أنهن لم يتوصلن به. وتبدو هذه المساعدة غير كافية بالنسبة إلى الاخريات لإعالة أسرهن. وعلى كل حال، من المحتمل أن تكون الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي ستعقب هذه الازمة الصحية، أشد قسوة على هؤلاء النساء.

 

 

ترجمة عن "تيل كيل"