ما العمل لتجنب أزمات المياه في المغرب؟

تيل كيل عربي

*محمد بازة، خبير دولي في الموارد المائية

روما، إيطاليا، في 22 يناير 2024

دخل المغرب في ندرة مطلقة هيكلية للمياه[1] خلال العقد 2010-2020 حسب تقديراتنا[2]، في حين كان من المتوقع ألا يحدث ذلك قبل عام 2030 أو بعد ذلك، ويتفق خبراء المياه على أن ذلك يرجع إلى ثلاثة أسباب: آثار التغيرات المناخية على الموارد المائية، والنمو الديمغرافي، و سوء تدبير الموارد المائية.

ومؤخرا دخل المغرب في أزمة مائية حسب الوزير المسؤول عن القطاع، مما يعني أن شبح تقنين التزود بالمياه أصبح يهدد كل القطاعات بما فيها حاجيات الشرب والاستعمالات المنزلية والصحية، في عدة مدن وجماعات ترابية وقد يتسع ليشمل مناطق أخرى، خاصة أذا استمر الجفاف، لا قدر الله. ومما لا شك فيه أن البلوغ إلى هذه المرحلة وبهذه السرعة ينحصر سببه في سوء تدبير الموارد المائية الذي تراكمت تأثيراته خلال العشرين إلى خمسة وعشرين سنة الماضية. إنه من المخجل أن يصل المغرب إلى هذه المرحلة في سنة 2024، إذ كان من الممكن تدبير ندرة المياه دون الوصول إلى أزمة، مثلما هو الوضع في بلدان تعاني من ندرة الماه بمستويات أعلى من مستواها في المغرب ولكنها لا تصل أبدا إلى مرحلة الأزمة.

إن البرنامج الوطني للتزويد بالماء  الشروب ومياه السقي 2020 - 2027 الذي يشرف علية صاحب الجلالة يكتسي أهمية قصوى في احتواء أزمة المياه، وسيحقق أهدافه بلا شك؛ كل ما هو مطلوب هو ان يتم تنفيذه بالكامل وفي أسرع وقت ممكن. وبما أنه برنامج خاص لمعالجة ندرة المياه بعدد من الأحواض المائية، من خلال إجراءات ذات طابع استعجالي[3] لضمان التزود بالماء، فإن الأسباب التي  دفعت البلاد إلى دخول الأزمة لا يمكن إدراجها ضمن أهدافه. وطالما استمرت أسباب الأزمة، فإن عودتها تظل تهدد البلاد، لان نموذج تدبير المياه المعمول به على الأقل منذ عام 2000 وحتي الأزمة هو نفسه من تسبب فيها. هذا السبب لا يزال موجودا، يتزايد شبحه يوما بعد يوم، ولن يزول إلا إذا تم استئصاله نهائيا.

لذا أصبح من الضروري إجراء تقييم شامل لتدبير الموارد المائية منذ عام 2000، ليس لمحاسبة أشخاص أو مؤسسات أو هيئات أو غير ذلك، لأن المسؤولية كانت مشتركة وجماعية، ولكن لاستخلاص الدروس واتخاذ التدابير المناسبة اللازمة  لتجنب شبح أزمات أخرى للمياه في المستقبل.

أما الفترة التي يتعلق بها التقييم، أي من عام 2000، فترجع إلى السببين التاليين:

  1. بعدما بدأت تأثيرات التغير المناخي على الموارد المائية في أوائل التسعينيات من القرن الماضي وتفاقمت شيئا فشيئا خلال العقد، صارت بارزة في أواخر الألفية حتى وإن لم يدرك الناس بما فيهم المسؤولون بأن التغير المناخي هو السبب. فانخفاض الموارد المائية كان قد وصل إلى حدود العشرين بالمائة في بعض الأحواض المائية، كما ارتفعت وثيرة الجفاف وارتفع معدل الحرارة، الخ.
  2. وبالنظر لهذا الوضع ، تفضل صاحب الجلالة في خطاب العرش لسنة 2000[4] فأعطى تعليمات جد ملائمة وصائبة من أجل تحسين تدبير الموارد المائة. وبعد سنة فقط، عاد جلالته في الخطاب الافتتاحي بمناسبة الدورة التاسعة للمجلس الأعلى للماء والمناخ في سنة  2001[5]، وأعطى تعليمات أخرى مفصلة ودقيقة نذكر من بينها هذين المقتطفين :
  • "... ولهذا فقد آن الأوان لنغير جذريا نظرتنا وسلوكنا تجاه الماء من خلال تدبير الطلب عليه وعقلنة استهلاكه مع مواصلة الجهود من أجل تعبئة كافة الموارد المائية القابلة لذلك والسير قدما في سبيل إنجاز منشآت التخزين وتحويل المياه من الأحواض ذات الفائض نحو الأحواض المعوزة سعيا لتحقيق التضامن بين الجهات".
  • " ... كما ينبغي مراجعة اختياراتنا المتعلقة بأنواع إنتاجنا الفلاحي الذي نعتبره في صلب أولوياتنا آخذين بعين الاعتبار عنصر ندرة المياه والتكلفة الحقيقية للإنتاج بالنسبة لبلادنا."

ظهرت لاحقا الإرادة لتصحيح الوضع في عام 2006، من خلال ما سمي آنذاك ”الحوار الوطني حول المياه” الذي استمر قرابة سنة وساهمت فيه جميع الأطراف المعنية بالمياه. وكانت نتائج تلك المبادرة جديرة بالثناء حيث أنها لم تقتصر على التوصيات، بل شملت أيضا استراتيجيات وبرامج بدأ تنفيذها على مدى السنوات التالية. لكن في غضون سنوات قليلة، اتخذت مجرى الأحداث مسارات أخرى : فقد انتشرت الآبار غير المشروعة بشكل مذهل، بما في ذلك في المناطق التي تصنف تقليديا على أنها غير صالحة للزراعة، وانتُهكت حقوق في المياه موروثة عن الأسلاف ، بل وحتى نُهبت، ودُمرت نظم بيئية مائية بالكامل، على سبيل المثال لا الحصر. ونتيجة لذلك، تغيرت الخريطة الهيدروغرافية للبلاد بشكل ملحوظ؛ كما أدى تظافر الحقائق المذكورة وتأثيرات التغير المناخي، التي كانت قد تضخمت، إلى انهيار نظام الموارد المائية. وبعد ذلك تم الوصول إلى مرحلة أزمة المياه في بداية العام الحلي.

ومن هنا تنبع الحاجة إلى فهم ما حدث وكذلك تصحيح ما لا يزال من الممكن تصحيحه. كما يجب أن يشكل تقييم الفترة المذكورة أعلاه خطوة أساسية في إرساء نموذج التدبير الذي سيسمح بالتعايش مع ندرة المياه، وضمان الأمن المائي وتجنب الوقوع في أزمات مائية. على أن يتم إنجاز هذا التقييم من قبل جهة محايدة ومستقلة عن الأطراف المعنية.

كما يجب اعتماد إدارة الطلب على المياه كركيزة للتدبير المستدام للموارد المائية، بما ذلك وضع حد لنزيف المياه الجوفية من خلال التحكم في استغلال ما تبقى منها، فبل أن تجف تماما، وهو ما يعني كارثة عظمى للبلاد. وتتجلى أهمية المياه الجوفية في الدور الذي تلعبه في احتواء أزمة مياه الشرب الحالية التي تهدد العديد من مناطق البلاد. علينا أن نتخيل ما كان سيحدث في غيابها وأن نحرص على تجنبه في المستقبل.

علماً أن اعتماد النموذج الجديد لتدبير الموارد المائية يتطلب إرادة سياسية لأنه يشكل تغييرا جدريا في طريقة تدبير تلك الموارد. كما تجدر الإشارة أيضًا إلى محدودية المعرفة وقلة الخبرة في هذا الشأن على مستوى المؤسسات العمومية الحالية، حيث لم يتم اعتماد هذا النموذج من قبل في البلاد. إلا أن هذه الصعوبات يمكن التغلب عليها بسهولة من ناحية، ولا يوجد بديل آخر لضمان الإدارة المستدامة للموارد المائية من ناحية أخرى.

______________________________

[1] عندما يصل متوسط ​​إمدادات المياه العذبة المتجددة على مستوى الدولة إلى أقل من 500 متر مكعب للفرد سنويا.

[2] M. Bazza et H. Lamrani. 2022. La pénurie absolue d’eau est désormais structurelle au Maroc : Réflexions. Revue BAB de la MAP No 44. Avril.

[3] نظرا لعدم وجود برنامج لإدارة الأزمات والكوارث الطبيعية كان من المفروض أن تعده الجهات المعنية مسبقا.

[4] نص الخطاب الملكي السامي الموجه الى الأمة بمناسبة عيد العرش | Portail national des collectivités territoriales (collectivites-territoriales.gov.ma)

[5] نص الخطاب الافتتاحي بمناسبة الدورة التاسعة للمجلس الأعلى للماء والمناخ | Maroc.ma