3/3 حوار.. الزواج السري لبنحماد والنجار وتراجع "العدل والإحسان" عن فكرة "الخلافة".. رئيس "التوحيد والإصلاح" يكشف التفاصيل

بشرى الردادي

حاوره: بشرى الردادي وأيمن جوهر

يوصف بأنه "رجل تواصل وانفتاح على تكنولوجيا العصر"، ويجمع في تكوينه بين العلوم البحتة والدراسات الإسلامية. هو الوجه الجديد والرقم "واحد" حاليا على رأس حركة "التوحيد والإصلاح"، "الجناح الدعوي" لحزب "العدالة والتنمية"، بعد أن تم انتخابه منذ أقل من شهر، لقيادتها في المرحلة 2022-2026.

وبهذه المناسبة، حاور موقع "تيلكيل عربي" أوس الرمال، رابع رئيس لـ"التوحيد والإصلاح"، منذ تأسيسها سنة 1996، حول عدة مواضيع مهمة، تنتظر أجوبة منذ فترة طويلة؛ كالمشاكل التي أرخت بظلالها على الحركة في السنوات الأخيرة، ومعاناتها من إشكالية "الانحسار الدعوي"، وتخليها عن حزب "العدالة والتنمية" في محطة 8 شتنبر، ونزاهة الانتخابات، وصحة الملك، وكواليس توقيع العثماني على قرار التطبيع مع إسرائيل، وحقيقة تراجع جماعة "العدل والإحسان" عن مشروع الخلافة الإسلامية، وعودة أحمد الريسوني إلى رئاسة الحركة، والفضيحة الجنسية لعمر بنحماد وفاطمة النجار، بالإضافة إلى رأيه في صدور فتوى دينية تخص اعتماد فحص الخبرة الدينية الجينية في إثبات النسب، وتبسيط مسطرة الإجهاض، وتقنين استعمال القنب الهندي في المجال الطبي، إلى غير ذلك من الأمور الساخنة.

ما هو تقييمكم للمرحلة السابقة للحركة، بانتهاء مخطط 16 سنة، وانتهاء ولايتي سلفكم عبد الرحيم شيخي؟

المرحلة السابقة، وخصوصا الأربع سنوات الأخيرة، طبعتها جائحة "كوفيد" التي تأثرت منها عموم الأعمال. كما أن المرحلة التي سبقتها أيضا من ولاية عبد الرحيم شيخي لم تكن بالسهلة؛ حيث عرفت مجموعة من المشاكل، على رأسها المشكل الذي كان سببا في أن أعين أنا نائبا أولا للرئيس، والأستاذة عزيزة البقالي نائبة ثانية للرئيس، خلفا للنائبين السابقين مولاي عمر بنحماد وفاطمة النجار. فإذن، سواء المرحلة الأولى أو المرحلة الثانية عرفتا مشاكل أرخت بظلالها على عمل الحركة وتطوّرها.

لكن، عموما، أستطيع أن أقول إننا خرجنا في النهاية، بتقييم إيجابي؛ لأننا نعتبر مجرد قدرة الحركة على الاستمرار في كل أعمالها مفخرة ونجاحا للمرحلة، وأظن أننا كنا من الهيئات الأولى، التي استطاعت إعادة استئناف كل أعمالها، بعد أقل من أسبوعين من بداية الجائحة، في حين تتبعنا مؤسسات، بل وهيآت رسمية كبيرة لديها ميزانيات ضخمة، لم تستطع ذلك، إلا بعد أسابيع، وفي بعض الأحيان، بعد شهور.

وحتى في الجمع العام الخاص بتقييم مخطط 16 سنة للحركة، وبتقييم الأربع سنوات الأخيرة، ظهر لنا من خلال عدد من المؤشرات والأرقام، أن المردودية في بعض الأعمال لم تكن كما تعوّدنا عليها، في محطات سابقة قبل الجائحة، خصوصا عمل الشباب، بحكم أنه عمل حيويّ يتطلب التفاعل والاحتكاك والتواصل المباشر، لكن، وبمجرد عودة إمكانية اللقاءات الحضورية، تم استئناف العمل، بحمد الله.

بالحديث عن اعتقال عمر بنحماد وفاطمة النجار، كيف دبّرت الحركة تلك المرحلة العصيبة؟

كان لدى مولاي عمر بنحماد وفاطمة النجار مشروع زواج، وحينما استشارا قيادة الحركة في الموضوع، طُلب منهما أن ينتظرا إلى حين انتهاء تلك الولاية، بحكم منصبيهما، وألا يخلطا بين العمل وحياتهما الشخصية، إلا أنهما استعجلا الأمر وتزوّجا خفية، وهذا حقّهما. بعدها، كانت واقعة اعتقالهما بشاطئ المحمدية، من طرف الفرقة الوطنية الآتية من الدار البيضاء؛ حيث حُرّر محضر في حقهما، بتهمة الإخلال بالحياء العام.

على مستوى القيادة، تعاطى عبد الرحيم شيخي بجرأة كبيرة مع ما حدث؛ حيث استدعى، فور معرفته بالخبر، كل أعضاء المكتب التنفيذي، الذين حضروا على عجل من كل جهات المغرب، للقاء مستعجل طارئ، وتم اتخاذ قرار تعليق عضويتهما من المكتب، إلى حين الاطلاع على محاضر الشرطة القضائية. كنّا مضطرين لفعل ذلك، حينما بدا لنا من الجهات الرسمية أن البث في ملفهما سيتأخّر.

بالطبع، ما حصل أرخى بظلاله على الحركة، كما كان هناك تفاجؤ ونقاش حول ما حدث، داخل وخارج المغرب، إلا أن القرار الذي اتخذته القيادة كان واضحا وحاسما، وأظن أن ما حصل ساعد على طي الملف بسرعة، وعدم أخذه بعدا إعلاميا أكثر من اللازم. على كل حال، لم يكن للحركة أي دخل فيما حصل؛ فالأمر كان شخصيا مرتبطا بهما.

لكن هناك من يعتبر أن بنحماد والنجار استهدفا لأنهما تابعين للحركة، التي تخلت عنهما بتعليق عضويتهما.. ما ردكم على ذلك؟

هل تم استهدافهما لكونهما من قيادات الحركة؟ لا أدري، علما أنهما وهما يتناولان الإفطار بالسيارة، حسب ما نقلاه لنا، قبل إكمالهما للسفر، لم يكونا الوحيدين في ذلك الشاطئ. لكن بالمقابل، هناك من يقول، حتى وإن كان أمر وجود سيارات أخرى غير سيارتهما بالشاطئ صحيحا، فوضعهما مختلف عن وضع الآخرين، كونهما من الدعاة، وكانت تلزم بعض الصرامة في التعامل معهما خصيصا.

لكن هل الحركة تخلت عنهما بتعليق عضويتهما؟ هذا غير صحيح؛ لأن تعليق العضوية كان من المكتب التنفيذي وليس من الحركة أولا، ثم إن للحركة مساطرها ونظامها الداخلي، الذي يقضي بوجوب مساندة أي عضو تعرّض للابتلاء، لكن في إطار قيامه بمهام الحركة، لكن ما حصل في حالة مولاي عمر بنحماد وفاطمة النجار كان مسألة شخصية وحميمية. لذلك، فإن أي خطوة كنا نقوم بها كانت بمشاورتهما والاتفاق معهما؛ حيث بقينا على تواصل في جميع المراحل، وحتى هيئة الدفاع التي ترافعت عنهما، الحركة هي من كلّفتها بذلك.

والخلاصة أننا نحن لم نتخل عنهما نهائيا، وإنما علّقنا عضويتهما من المكتب التنفيذي؛ لأنه تم توجيه تهمة رسمية لهما من طرف الشرطة القضائية، ولأننا لم نكن على اطلاع بما صرحا به أو وقعا عليه في المحاضر الرسمية. وحتى حين اطلعنا على المحاضر الموقعة من طرفهما، تبين لنا أنه ليس من مصلحة أحد أن نطعن في تلك المحاضر الموقعة من طرفهما.

بالنسبة للحركة، نحن ضدّ الزواج السري، ربما لم نكتبها سابقا في وثيقة ما، لكننا ضده. مسألة هل هو شرعي أم لا؟ تلك مسألة أخرى. هو زواج شرعي مادام شهد عليه شهود، والمرأة راشدة وأخذت مهرها وزوجت نفسها بنفسها، لكننا ضده، لأنه لا يأتي إلا بالمتاعب، وبالفعل، الله وحده يعلم مقدار المتاعب التي عانينا منها بسبب ذلك الزواج.

وحين ظهرت الأحكام فيما بعد، بقي وضع تعليق عضويتهما على ما هو عليه. هي قدمت استقالتها، فيما رفض هو تقديم استقالته؛ حيث قال: "إذا أردتم إقالتي، فأقيلوني"، وبالفعل، أمضينا معه مسطرة الإقالة. وللعلم، فرغم إقالتهما من القيادة، إلا أنهما مازالا، إلى حدود الساعة، أعضاء في الحركة.

لكن قضيتهما لم تكن الوحيدة من نوعها داخل التنظيمات الإسلامية، بل رأينا مثل هاته الواقعة في حزب العدالة والتنمية مثلا، إلا أن الإجراءات كانت مختلفة.. ألا ترون أن الحركة كانت أكثر قسوة على أبنائها؟

الحالة التي تحضرني الآن هي حالة الوزير والوزيرة، وهي حالة غير هذه تماما. هما وزيران قررا الزواج، وأخبرا الأمين العام بالموضوع، الذي فعل تقريبا ما فعلناه نحن؛ حيث طلب منهما التأجيل إلى حين انتهاء ولايتهما، وحينما رفضا ذلك، لظروف خاصة كانا يمران بها، خيرهما بين الزواج أو الحكومة، فاختاروا الزواج، وقدما الاستقالة من منصبيهما الوزاريين.

سؤالنا يخصّ أناسا آخرين في نفس الحزب، لا نريد ذكر أسمائهم، طالهم كذلك نقاش بخصوص سفريات خارج المملكة وما إلى ذلك..

فعلا، أستحضر الآن هذه الحالة لوزير كان ماضيا في مسطرة الطلاق. كنا نتابع آنذاك الموضوع في الحزب، بل وأجرينا محاولات صلح بينه وبين زوجته. وفي نفس الوقت، كان يستعد للزواج من سيدة أخرى أرادته وأرادها. وقتها، التقطت له صور رفقة مخطوبته، وللإشارة، هما لم يسافرا مع بعضهما البعض، بل صادف أن كانا بنفس البلد، بحكم عملهما. شخصيا، أعتبر أن تتبع عورات الناس ونشر صورهم، بقصد الإساءة إليهم، أمر غير سليم بالمرة.

لذلك، جاء سؤالنا حول استهداف شخصيات من التيار الإسلامي..

إذا قلنا إن هناك استهدافا لهم، كيف نفسر إذن استهداف شخصيات أخرى في نفس المناصب، لكنها من خارج التيار الإسلامي، كاتهام وزراء بالشّذوذ الجنسي، وبأمور أخرى كثيرة؟ هذه الأمور تحصل، كما سبق وحصلت.

إن كان هناك من يخصّص الإسلاميين بالاستهداف، فسيكون معاديًا لمشروعهم، بشكل عام، وليس لذواتهم ولأشخاصهم. نحن نحمد الله في الحركة؛ لأننا دبّرنا ما يخصنا، بالشكل المناسب، حسب ما أظن.

لنعد فضيلة الدكتور إلى اتهام الحركة بالقسوة في تعاملها مع بنحماد والنجار، مقارنة بتعامل العدالة والتنمية مع حالة الوزير..

هذا الأمر غير صحيح؛ فالوقائع مختلفة، ومعروف عند الفقهاء أن الحكم يدور مع علّته وجودا وعدما، وأن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان. وما دامت الوقائع المذكورة مختلفة؛ فمن الطبيعي أن يكون التعامل مع كل منها بقدرها.

يرى فاعلون دينيون أن الحركة باتت تعاني من حالة "الانحسار الدعوي".. ما ردّكم على ذلك؟

حينما نقول إننا حركة دعوية، وعملنا هو دعوة الناس من حولنا إلى الرجوع إلى قيم الإسلام ومعانيه الحقيقية وروح التعبد فيه، فإن المجتمع من جهته يتفاعل مع ما ندعو إليه، حسب مهيّته وطبيعته، في اللحظة التي تدعوه إليها.

بلدنا تطوّر، وهو أمر طبيعي، ومن ضمن هذه التطورات، ما يتعرض له الشباب، بشكل خاص، من تأثيرات؛ لأن كل من يعادي الإسلام كدين، وكل من يعادي المغرب كبلد، يراهن على الشباب، للتوجه بالبلد في اتجاه من الاتجاهات المعينة. وتفاعلات الشباب مع دعوتنا اليوم، هي تفاعلات متفاوتة؛ إذ منهم من يرفضها أصلا؛ كونه غير مستعد لسماعها من الأساس، ومنهم من يسمع ويجادل، وفي بعض الأمور، قد يكون محقا، وهو ما نأخذه بالحسبان، وهناك من لا تجد معه أي صعوبة، نظرا للتعطش والفراغ الروحي اللذين يحس بهما.

في ظل كل هذه المستجدات والإكراهات، هل كيّفت الحركة خطابها، أم ما زالت تعتمد على آلياتها السابقة؟

نعتبر أنفسنا حركة إصلاحية مجدِّدة، وهذا الإصلاح والتجديد يفرضان علينا الإنصات، أولا، وقبل كل شي. لن نغير دعوتنا، لكننا في تفكير مستمر في تغيير الطريقة التي نتحاور بها، في إطار تبليغ دعوتنا؛ إذ لا خيار آخر لدينا. نحن نخاطب الناس على قدر عقولهم، كما قال عمر رضي الله عنه. وهذا ليس معناه أننا نعتبر أنفسنا أفضل من الناس، وإنّما نعتبر أن من مواصفات الخطاب الناجح أن يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الفئة المستهدفة به.

مراجعة وسائلنا الدعوية أمر دائما ما نفكر فيه، حتى قبل ظهور هذه التحديات ذات العلاقة بالقيم والحريات الفردية وغيرها؛ مثل الإجهاض. ونعتبر أن الحركة هي التي عليها أن تبسط خطابها الدعوي وتيسره، وليس الناس هم الذين عليهم أن يتكيفوا مع خطابنا من أجل فهمه.

ما رأيكم في ظاهرة "الدعاة الجدد"؛ أمثال ياسين العمري، ورضوان عبد السلام؟

لم يتيسّر لي الاجتماع بهذين الأخوين مباشرة، في أي مناسبة من المناسبات، لكنني استمعت لبعض ما يقولانه. ولعلي استمعت لياسين العمري مرة أو مرتين، خصوصا حينما كان هناك نقاش وتشويش بخصوص تصريحه حول أحد المسلسلات الرمضانية. تابعت ما قيل عنه وما رد هو به على ذلك. ما أستطيع قوله شخصيا، هو أنني لا أعتبرهما دعاة جدد. إذا كان يعتبران أنفسهما دعاة إلى الله تعالى، فهم دعاة. هل سبق في تاريخ الإسلام أن كان هذا النوع من الناس؟ أؤكد لكم بأنه سبق وكانوا.

ما الاسم الذي يمكن أن نطلق عليهم إذن؟

هؤلاء دعاة يتميزون، بشكل من الأشكال، بأسلوبهم الخاص، وعادة ما يكونون عرضة أكثر من غيرهم لسهام، ليس الإعلام فقط، بل وحتى عامة الناس، وأحيانا الهجمة لا تكون عليهم، وإنما على الدين الإسلامي. تحضرني هنا ظاهرة عمرو خالد، ألم يكن من الدعاة الجدد هو الآخر، وتعرض للإساءة ممن يسمون "الدعاة التقليديون"؟ هذه الظاهرة ليست بالجديدة.

كونهم ليسوا متخصصين في العلوم الشرعية، يعرّضهم للإساءة حتى من أناس يعتبرون أنفسهم دعاة رسميين، ولهم تكوين أكاديمي شرعي، لكنني أقولها، من موقعي كمتخصص في العلوم الشرعية: أكن الاحترام لهؤلاء الناس. على كل حال، هم لم يسموا أنفسهم علماء شرع، كما أنهم لم يتجرؤوا على إصدار فتاوى دينية، لكنهم يدعون إلى الله عز وجل وإلى قيم الإسلام، بطريقتهم الخاصة، ولديهم إقبال كبير حيثما حلّوا من طرف الشباب.

بالمقابل، لدينا "نجوم"، إن صحّ القول، هم دعاة رسميون للعلم الشرعي، لكن للأسف، لا يتكلم المغاربة عنهم، ربما لأنهم لا يجدون  ما يقدحون فيهم. ويحضرني هنا مثال الدكتور سعيد الكملي، الذي يعد نجما دعويا داخل وخارج أرض الوطن. وبكل صدق، هذا رجل عالم بكل ما تحمل الكلمة من معنى؛ فإذا أفتى، فتواه تعتمد. إنه فعلا ظاهرة علمية متميزة يشهد له الجميع بذلك، رغم أن المغاربة يذكرونه أقل من غيرهم في المشرق العربي ودول الخليج. رجل يُعتمد كمرجع من مراجع العلم الشرعي، وكان يتقلد كرسي الإمام مالك الرسمي بوزارة الأوقاف.

أيضا هناك رئيس المجلس العلمي لعمالة الصخيرات تمارة، الحسن السنكفل.. ما رأيك به؟

لم يسبق لي أن التقيته. هو رجل محترم ويعجبني كثيرا خطابه بالأمازيغية. أعتبره إضافة نوعية لا تتوفر لدى كثير من الدعاة. أراه موفقا في خطاباته، وأجد أسلوبه في التبليغ بسيطا وسهلا ومتطورا.

بالعودة إليكم.. يصفونكم في الحركة بـ"رجل التواصل"، كما لديكم شعبية كبيرة داخلها.. ألا تتخوّفون من أن تشكل ثقلا عليكم وتدفعكم إلى اتخاذ قرارات غير مقتنعين بها؟

هناك من يقول إنني انتخبت؛ لأنني من الجيل القديم (جيل أحمد الريسوني، وعبد الله باها رحمة الله عليه، وعبد الإله ابن كيران، ومحمد الحمداوي)، من أجل إرجاع الحركة لما يسمونه بـ"المُحافظة"، وهناك من يقول إنني انتخبت لأنني أنتسب إلى الشباب، رغم أن سني 64 عاما، وهناك من يقول إنني انتخبت لأنني أجمع بينهما.

أما من حيث الشعبية، أعتبر أنني أقل إخواني ظهورا في الإعلام، وحتى حضوري داخل الحركة، دائما ما كان حضور ظلّ، وما فُرض علي الخروج للإعلام قليلا إلا لما انتخبت نائبا أولا للرئيس. أما قبل ذلك، كان عملي دائما تنظيميا محضا؛ حيث تدرجت في جميع مستويات المسؤولية في الحركة، سواء المسؤوليات الوظيفية الدعوية والتربوية، أو المسؤوليات التنظيمية، بل في وقت من الأوقات، كنت مديرا للتنظيم العام في الحركة، كما كنت أكلف بمهمات؛ من قبيل إعداد منظومة التربية والتكوين مثلا، أو غيرها. على العموم، عملي لم يكن يحتاج إلى إعلام أو ظهور، وحتى خطبة الجمعة، ما كنت أنشرها إلا لحرصي على أن لا ينقل عني ما لم أقله فيها.

أما عن انتخابي رئيسا، فنحن لدينا في نظامنا الداخلي مسطرة خاصة بعملية الانتخابات، من شدة احترامها، رغم أننا نحن من وضعها، نكاد نقدّسها في الحركة؛ إذ إلى حدود الساعة، لم يطعن فيها أحد، ولم نفكّر بتغييرها.

هذه المسطرة تفرز لنا، كمرحلة أولية، أسماء خمسة مرشحين، لا أحد فيهم يرشح نفسه، بل يتم ترشيحهم عن طريق التصويت السري؛ حيث يختار كل عضو ثلاثة أسماء يراهم جديرين بالرئاسة، وحينما نقوم بتفريع الأوراق، نحصّل 60 أو 70 اسما مثلا، نختار الخمسة مرشحين الأوائل منهم، بعد ذلك، يتم التداول في الأسماء الخمسة المرشحة. وهذه الفقرة لا توجد في أي هيئة أخرى، غير تلك التي تدور في فلك الحركة.

عادة في مراحل التداول السابقة، لم يكن يصعب علي تبرير رفضي لمسؤولية الرئاسة؛ لأنني أكون مرشحا إلى جانب أسماء لا خوف عليها؛ يصبرون على الأذى ويواجهونه. لكن هذه المرة، بصدق، أحسست أنه ليس من حقي الاعتذار، والسبب بسيط جدا، أنه لم يهن علي الزج بالإخوة الأربعة الأفاضل الذين رشحت إلى جانبهم، إلى الصف الأول.

بمعنى؟

لن يستطيعوا التحمل، نظرا لطبعهم وأخلاقهم وسَمتِهم. لذلك، لم أعط لنفسي الحق بتوريطهم، نظرا للتقدير الخاص الذي يحظون به في الحركة، لن أقبل أن أراهم في وضع معين. هناك صعوبات في الرئاسة، تصل في بعض الأحيان إلى المواجهة العنيفة، وفي مرات عديدة تحدث تجاوزات في الحديث، وهو ما أفضل أن أتعرّض له بنفسي عوض إخواني، لأنني أستطيع تقبله أولا، ومواجهته ثانيا.

لماذا لا تعتمدون الترشّح داخل الحركة؟

مسؤولية الحركة مسؤولية مهيبة جدا، ومن يصبح رئيسا أو رئيسة للحركة، تتغير حياته، بشكل أوتوماتيكي. أنا مثلا، وضعت حياتي الشخصية كلها بين قوسين، في فاس، وتركت مكتب العمل، وخطبة الجمعة، وانتقلت إلى الرباط، لأتفرغ لرئاسة الحركة، وهذا ما يتهيّب منه الناس، وحُق لهم أن يتهيبوا منها.

حينما تكون رئيسا لحركة "التوحيد والإصلاح"، فأنت مسؤول عن عشرات آلاف الأعضاء، وربما أزيد من مليون متعاطف، بالإضافة إلى أبناء وبنات الحركة خارج المغرب، الذي بدورهم، لهم حق علينا أن يحظوا بالعناية اللازمة.

والخلاصة، نظرا لكل ما سبق، أستطيع أن أقول: "إن فتحنا باب الترشح، لن يترشّح أحد".

هل يمكن أن نرى يوما ما امرأة على رأس "التوحيد والإصلاح"؟

بالتأكيد، ليس لدينا في قوانينا ما يمنع أي امرأة من رئاسة الحركة، ويتم ترشيح النساء بالفعل. فإذا توفرت في إحدى الأخوات الشروط التي توفرت في الرجال، وهي شروط بسيطة جدا، لا مانع من تحملها المسؤولية. وأنا شخصيا، دائما ما أرشح امرأة ضمن اختياراتي الثلاث.

لكن ما لدينا هو "إرث ثقافي"، العامل المحدد فيه أساسا هو الإشفاق على النساء مما تحتاجه رئاسة الحركة؛ نظرا لمشاغلهن والتزاماتهن الأسرية، وإلا فمن ناحية الكفاءة، لدينا أخوات لديهن من الإمكانيات ما يخولهن لتزعم الحركة مثل إخوانهن الرجال.

كان هناك حديث عن عودة الدكتور أحمد الريسوني لرئاسة الحركة.. هل طُرحت الفكرة؟

لو أنه لم يكن خارج المغرب، ومدة عمله كأستاذ جامعي بقطر لم تنته بعد؛ ما يحول دون انتخابه، كنا انتخبناه في المؤتمر الأخير، وطلبنا منه الرجوع إلى البلاد.

ولو تم ترشيحه ضمن الأسماء الخمسة، لكنت أول من يبارك رئاسته؛ فهو أستاذنا، ورجل عامل عالم مجاهد، وهو أول رئيس مؤسس للحركة، ومكانته العلمية فيها جد مقدرة ومعتبرة.

ما رأيكم في الجدل الذي أثير حول تصريحاته بخصوص تندوف وموريتانيا، ما اضطره إلى الاستقالة من الاتحاد العالمي للعلماء المسلمين؟

هذه ليست المرة الأولى التي يكون فيها الدكتور الريسوني ضحية للإعلام المغرض، للأسف؛ إذ عندما كان أول رئيس للحركة، خرج بتصريح عن الملك وكونه يستعين بالمجلس العلمي الأعلى، فقالوا إنه يطعن في أهليته ليكون أميرا للمؤمنين، والحمد لله، لم نتوصل بشيء من أمير المؤمنين، وقتها. بعد ذلك، قدم استقالته من رئاسة الحركة، حتى لا يكون لتصريحه أي تأثير عليها. وهذا الظلم الذي وقع عليه وقتها هو نفسه الذي وقع عليه مؤخرا، حينما قال في تصريح صحفي، إن تندوف مغربية، وإذا أمر الملك محمد السادس بالمشي في مسيرة إليها، سيكون أول المشاركين، وأن موريتانيا هي، في الأصل، جزء من المغرب.

ما قاله الريسوني قاله قبله عدد كبير من السياسيين، لكن، للأسف، كلامه وجد آذانا صاغية لدى بعض الناس، وإن كنت أعرف أن عددا كبيرا من علماء الجزائر يكنون له احتراما كبيرا، بل وكانوا يحضرون لمؤتمراتنا، لكننا لم نستدعهم في المؤتمر الأخير للحركة.

لماذا؟

لأن البعض منهم صدر عنه كلام سيء، ليس في حق الريسوني فقط، وإنما في حق المغرب وفي حق الحركة الإسلامية المغربية، وهو ما لم نقبله. ما فهمناه هو أن النظام الجزائري العسكري ضغط على الحركات الإسلامية الجزائرية، من أجل الخروج بتصريحات مضادة، تعتبر تصريح الدكتور الريسوني اعتداء على الجزائر والجزائريين، ومنهم من وصل إلى حدود السب والقذف والشتم بكلام لا يليق، بل وأطلق علماء جزائريين أعضاء في الاتحاد نداء، من أجل إقالة الريسوني من رئاسته وتنصيب جزائري بدلا منه، لكن في الأخير تم اختيار رئيس ماليزي، بعيدا عن كل العرب.

ما حصل جعلنا نتريث، قلنا لن نستدعيهم، حتى لا نحرجهم أو يحرجونا.

الدكتور أحمد الريسوني كان ضحية؛ حيث تم استغلال كلامه، خصوصا في الجزائر؛ حيث فهم من كلامه أنه نادى بالاعتداء العسكري على تندوف. أما بخصوص موريتانيا، فالموريتانيون، بالمناسبة، يقولون لنا إننا دولة واحدة.

عودة إلى الحركة، ما موقفكم من حضور أعضائها في المؤسسات الدينية الرسمية؟

الأصل عندنا في الحركة هو أن من طُلب لأي دور فيه دعم للشأن الديني الرسمي للبلد، نقول له: "توكل على الله ولا تتردد". كما نوصيه بأن يكون في المستوى المطلوب الذي يشرف الحركة.

هناك حالة واحدة تزعجنا هي التحاق البعض بالمؤسسات الدينية الرسمية دون استشارتنا؛ حيث يتعذر عليهم بعد ذلك، الوفاء بالتزاماتهم اتجاه الحركة، وحينما نسألهم عن السبب، يتحججون بعملهم الجديد، وبالتالي، لا يفيدون لا المؤسسة الدينية الرسمية، ولا حركتهم. الشخص في هذه الحالة ينسى أن استدعاءه للعمل بهذه المؤسسات جاء نظرا لكونه معروفا وواعظا ووراءه حركة تدعمه.

وهناك بعض الإخوان والأخوات الذين اشتغلوا بهذه المؤسسات الدينية الرسمية، نصحناهم بأخذ مسافة مع عمل الحركة، لأنه، أولا، سيصعب عليهم الجمع بين العملين معا، وثانيا، لأن ارتباطهم بالحركة، بخصوص بعض المسائل والمواقف، قد يسبب لهم حرجا.

ما أستطيع تأكيده هو أن الحركة لم تصدر أبدا قرارا بمنع الناس من العمل بالمؤسسات الدينية الرسمية، بل على العكس من ذلك، نحن ندعم عمل الدولة الرسمي في الشأن الديني.

كان لقيادة الحركة لقاء بجماعة "العدل والإحسان" بعد فوزكم برئاسة الحركة.. ما القضايا التي ناقشتموها؟

في الحقيقة، لم نناقش أي قضايا. نحن دعوناهم للجمع العام الوطني، كما العادة. ومع ظروفهم وأشغالهم، كنا نتوقع عدم حضور الأمين العام، إلا أنه حضر، مرفوقا بتمثيلية قوية، وهو ما اعتبرناه رسالة إيجابية من إخواننا بالجماعة.

دائما ما كان لدينا تنسيق دوري معهم؛ إذ غالبا ما يزوروننا، وما يجمعنا في كل مرة، شيء واحد: مصلحة الوطن.

وجودنا اعتباري أكثر منه عددي، لا نحن ولا هم، ومواقفنا وتصريحاتنا دائما ما تقابَل بالانتباه والإصغاء، سواء من الناس، أو من السلطات، أو من الدولة، التي تعتبره وتقرأ مخرجاته.

صحيح أن التنسيق بيننا وبين الجماعة "العدل والإحسان" توقف، لمدة عامين، بسبب جائحة "كوفيد"، لكن لما استدعيناهم، استجابوا، ثم جاؤوا مباشرة بعد ذلك لتهنئتي، ونحن بدورنا، رحبنا بهم ترحيبا شديدا؛ حيث كانت جلسة حميمية، وبنفس المنطق، تكلمنا في مصلحة البلاد.

العدل والإحسان لديهم اختيارهم الخاص؛ وهو الاشتغال من خارج النظام، وهذا اختيار صعب. أما نحن، فاختيارنا كان مخالفا، لكن يبدو الآن، أنه أصعب من اختيارهم، وهو كيف تشتغل من داخل النظام، وتخالطه، وتعبر عن رأيك المخالف، حينما يقتضي الأمر. لذلك، حينما عبّرنا عن موقفنا من قضية التطبيع، كنت أنتظر اعتقالي في أي لحظة، وهو ما أخبرت به زوجتي. هذا اختيار صعب جدا؛ إذ ما هي حدود ما يقال وما لا يقال؟

كما أننا، خلال لقائنا بالجماعة، تناقشنا حول مسألة تناقص إقبال الشباب على مشروع العمل الإسلامي اليوم، ووجدنا أنهم يعانون مما نعاني منه، كما جددنا العزم على إبقاء التواصل بيننا. ونحن نعتبر أن تواصلنا مع الجماعة فيه فائدة متبادلة.

من أي ناحية يعتبر هذا التواصل مفيدا للجماعة؟

بعض شباب "العدل والإحسان" مندفعون، بشكل كبير، نحو أي شيء؛ أحيانا نحو الشدة والتكسير.. إلخ. لكن تواصلهم مع شبابنا يفيدهم. والحمد لله، ضمنا وإياهم، لحدود الساعة، عدم تسجيل أي مواقف عنف أو ضرب أو قتل أو حرق.. إلخ، في تاريخ الحركتين، اللهم أمور بسيطة داخل الجامعة، لكن خارج هذا فيما يخص الاختيارات الرسمية للحركة والجماعة، شعارنا هو: "لا للعنف، وبدون استثناء". بل ونفضّل، في بعض الأحيان، أن يمارس علينا هذا العنف، ولا نمارسه في حق غيرنا، لا من المواطنين ولا من السلطات.

هذه اختيارات صعبة بالفعل، لكننا نتعاون نحن والجماعة عليها، في إطار التواصي بالحق وبالصبر.

ما الذي تؤاخذونه في الحركة على جماعة "العدل والإحسان"؟

سيكون صعبا علي الرد على هذا السؤال. عاصرت أعضاء الجماعة، منذ مدة طويلة، وعموم من عرفت منهم ناس فضلاء. ما أختلف فيه مع التنظيم، لكني لا أؤاخذه عليه، هو اختيارنا الاشتغال ومحاولة الإصلاح من داخل النظام، فإن استعصى علينا شيء، نقدّره  بقدره، ونجد له حلا، وهذا ما ورثناه من الأئمة والصحابة رضي الله تعالى عنهم. لنفترض مثلا أن الإمام أحمد بن حنبل خرج عن نظام الخليفة أو أمير المؤمنين، وعبر عن آرائه ضده، كان أمره سيختلف. عيشه في دولة المسلمين لم يمنعه من أن يقول رأيه. صحيح أنه ابتلي واعتقل وسجن، بسبب آرائه، لكن داخل نفس المنظومة، حتى ولو كان في حكام المسلمين، عبر التاريخ، الظلمة، والجهلة... إلخ.

هذا منطقنا، لسنا أحسن من هؤلاء الأئمة في الدعوة. سنخالط قومنا، وسنصبر على آذاهم، وسيصبرون هم أيضا علينا، وحين ينفذ الصبر، لن ندخر لا نحن ولا هم جهدا للدفاع عن مواقفنا واختياراتنا.. هوما ما يقصروش من جهدهم، وحنا ما نقصروش من جهدنا.

نحن لا نؤاخذ إخواننا في الجماعة على اختيارهم، بل نخالفهم فيه. هم اختاروا الاشتغال من خارج المنظومة؛ بمعنى أنهم يقولون للنظام: "الله يعاونك، كل واحد يدير شغله". هم لا يعترفون بنظام الحكم بصيغته الحالية، بل يفكرون في نظام آخر، ولو أنه من ضمن الأمور التي أحسسنا أنهم يقومون بمراجعتها حاليا، مسألة الخلافة الإسلامية.

بمعنى أنهم بدؤوا يراجعون مشروع الخلافة الإسلامية؟

لا، ليست مراجعة، لا أدري إن كان من حقي قول هذا، لكن ما فهمناه من كلام أمينهم أن الناس فهموا موقف الجماعة من الخلافة الإسلامية، بشكل مغلوط. هم لا ينادون بها، ويعتبرون أنه لا يمكن أن يعلن عنها إلا خليفة المسلمين عبر العالم كله. ولذلك، فهمنا منه، أن فكرة الخلافة لم تعد حاضرة عندهم، بخلاف حضورها في كتابات ياسين عبد السلام رحمه الله، الذي كان ينادي بها، وهو الأمر الذي اختلفنا فيه مع جماعة "العدل والإحسان".

كما أنهم يراجعون أمورا أخرى؛ كطبيعة النظام، هل هو نظام ملكي أم غير ملكي؟

الخلاصة أننا نختلف معهم، لكننا لا نؤاخذهم. من يدرينا؟ قد يكون الصواب معهم.

هل يمكن أن نرى الجماعة يوما ما متراجعة عن فكرة الخلافة الإسلامية، مهما كان معناها؟

على الأقل من خلال الكلام الذي سمعته منهم مؤخرا، فكرة الخلافة التي ينادون بها مفهومة، بشكل مغلوط، وحقيقتها ليست كما تروج لها الصحافة.

بمعنى؟

بمعنى أن الأمر لا يتعلق بالخلافة الإسلامية التي يتكلم عنها الناس، والوقت هو الكفيل بإظهار نوع الحكم الراشد الذي يفكرون فيه ويدعون إليه، بخلاف الخلافة الإسلامية بذلك المنطق، وبخلاف الملكية الدستورية.