صدرت مذكرة إيداع بالسجن في حق رئيس حركة النهضة، راشد الغنوشي، المعارض الرئيسي للرئيس قيس سعيد في تونس، حسبما أعلن حزبه، اليوم الخميس، على صفحته عبر شبكة "فيسبوك"، منددا بـ"سجنه ظلما".
وأوقف الغنوشي، مساء الاثنين، بعد أن حذر من "إعاقة فكرية وإيديولوجية في تونس تؤسس للحرب الأهلية"، في حال القضاء على الأحزاب اليسارية أو تلك المنبثقة عن التيار الإسلامي؛ مثل النهضة، الأمر الذي أثار انتقاد أطراف عدة؛ من بينها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وبحسب المحامي مختار الجماعي، الذي قام بمداخلة لإذاعة، قرر قاضي تحقيق إصدار المذكرة بحق الغنوشي، البالغ 81 عاما، بعد استجواب استمر لأكثر من تسع ساعات، على خلفية تهمة التحريض على الحرب الأهلية.
وأكدت جبهة الخلاص الوطني، في بيان على "فيسبوك": "أصدر، فجر اليوم، قاضي التحقيق بالمكتب 33 لدى محكمة تونس الابتدائية بطاقة إيداع بالسجن في حق رئيس البرلمان ورئيس حركة النهضة، الشيخ راشد الغنوشي، بتهمة التآمر على أمن الدولة والعمل على تغيير هيئتها بالقوة".
وأضافت: "إن إحالة أهم شخصية سياسية، بحكم موقعها وحضورها في مقدمة المشهد السياسي التونسي، لأكثر من أربعين سنة، بناء على رأي أدلى به، بمناسبة ندوة فكرية حوارية نظمتها جبهة الخلاص الوطني، إنما يدل على انهيار حالة الحريات في البلاد، والذي انتهى إلى تجريم حرية الرأي والتعبير والنشاط السياسي السلمي، كما يقوم دليلا قطعيا على فشل السلطة القائمة في إعداد ملف قضائي جدي في حق رئيس حركة النهضة وقياديها الأول".
وفي بيان، أكد الحزب أن "مداخلة راشد الغنوشي محل التتبع العدلي ليس فيها أي دعوة للتحريض ولا تمس بالسلم الأهلي"، منددا بما وصفه بأنه "قرار سياسي بامتياز".
وأضاف البيان أن الحركة تعتبر أن الغنوشي "رمز وطني قضى ردحا من عمره في مقاومة الدكتاتورية والنضال السلمي من أجل الحريات والديمقراطية".
ويعتبر الغنوشي أبرز معارض يتم توقيفه، منذ انفراد الرئيس قيس سعيد بالسلطات في البلاد، في يوليوز 2021.
وبحسب وسائل الإعلام، أوقف خمسة من كبار مسؤولي حركة النهضة.
واستنكرت الولايات المتحدة، مساء أمس الأربعاء، "تصعيدا مقلقا" في تونس، بعد سجن حوالى عشرين معارضا وشخصيات أخرى؛ من بينهم رجال أعمال ومدير محطة "راديو موزاييك" الإذاعية، التي تحظى بأكبر عدد من المستمعين في البلاد، منذ مطلع فبراير.
وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أن "عمليات التوقيف، التي تقوم بها الحكومة التونسية لمعارضين ومنتقدين، تتعارض تماما مع المبادئ، التي تبناها التونسيون في دستور يضمن حرية الرأي والفكر والتعبير".
بدوره، أعرب الاتحاد الأوروبي عن "قلقه" الكبير، أول أمس الثلاثاء، بعد توقيف الغنوشي، مذكرا بأهمية "المبدأ الأساسي للتعددية السياسية".
من جانبها، قالت فرنسا إن عملية التوقيف هذه هي "جزء من حملة توقيفات مقلقة"، مؤكدة "تمسكها بحرية التعبير واحترام سيادة القانون".
ورفضت تونس، أمس الأربعاء، تلك التعليقات المنتقدة لتوقيف الغنوشي، معتبرة إياها "تدخلا" في شأنها الداخلي؛ حيث أكدت وزارة الخارجية، في بيان لها، أن هذه "التعليقات "تشكل تدخلا مرفوضا في الشأن الداخلي لبلادنا، من قبل جهات على دراية بحقائق الأوضاع في تونس".
وأضافت: "كما تشدد على أن مثل هذه التعليقات من شأنها الانعكاس سلبا على جهود الدولة المكثفة لتصحيح الوضع الاقتصادي والمالي الواقع تحت الضغط، نتيجة سوء الحوكمة والهواية التي اتسم بهما العقد الماضي، وما انجر عنهما من تداعيات لا يزال التونسيون يتحملون تبعاتها".
وبالإضافة إلى الأزمة السياسية، التي أثارها سعيد، في يوليوز 2021، تتدهور الأوضاع الاقتصادية للتونسيين بسبب التضخم المتسارع، الذي بلغ أكثر من 10 في المائة، خلال عام.
وتوصلت تونس إلى اتفاق مبدئي مع صندوق النقد الدولي، في أكتوبر، على حزمة إنقاذ بنحو ملياري دولار، لدعم اقتصادها المتدهور، لكن الخطة لا تزال تنتظر موافقة مجلس حكام الصندوق، الذي يضغط من أجل إجراء إصلاحات.
وتعهد سعيد، في وقت سابق من الشهر الجاري، رفض "إملاءات" صندوق النقد، في الوقت الذي تقود فيه إيطاليا جهودا للتوصل إلى اتفاق سريع، خشية تدفق المزيد من المهاجرين إلى شواطئها، في حال شهدت الأوضاع الاقتصادية في تونس تراجعا أكبر.