شهادات مؤثرة لمغاربة انتصروا على "كورونا"

الشرقي الحرش

هي حكايات عدد من الذين انتصروا على "فيروس قاتل". حكايات يمتزج فيها الخوف بالإيمان بالقضاء والقدر، بتعلم دروس جديدة في الحياة، بإعادة ترتيب الأولويات، بعدما اجتازوا محنة الإصابة بفيروس "كورونا" بسلام.

"لا أستطيع الحديث، أعتذر لكم بشدة، لا أريد تذكر تلك اللحظات"، بهذه العبارات اختار "محمد" (اسم مستعار) الاعتذار لـ"تيلكيل عربي" عن الخوض في موضوع مرضه، الذي وإن تعافى منه، ما زال يلاحقه، ويسبب له آلاما من طبيعة أخرى.

"محمد"، الذي يقطن في مدينة أكادير، أوضح أن انتشار صوره على مواقع التواصل الاجتماعي أثر عليه نفسيا؛ إذ لم يعد قادرا على  الإجابة على  أسئلة من يتصلون به، كما لم يعد قادرا على مغادرة منزله، إلا لماما لقضاء أغراض ملحة، بسبب نظرة الناس إليه. يقول "محمد"، في هذا الشأن، "الآن، بعدما مرت أيام على شفائي، قررت نسيان هذا الأمر بشكل نهائي، وعدم الحديث عنه مرة أخرى، خاصة أن الناس الذين يتعرفون علي، سرعان ما يغيرون طريقهم، مخافة أن يصابوا بالعدوى".

"محمد" نموذج للعشرات من المغاربة الذين رماهم حظهم العاثر في طريق فيروس يضرب خبط عشواء، فلاذوا بالصمت، بينما يفضل آخرون أن يحكوا تجربتهم للذين يسمعون عن المرض، ولحسن حظهم لم يجربوه.

"أدركت قيمة كل شيء في حياتي"

تروي "ندى" (29 عاما) قصة شفائها من فيروس كورونا المستجد لـ"تيلكيل عربي" فتقول: "اكتشفت إصابتي بفيروس كورونا بعد أيام من عودتي إلى طنجة من رحلة قادتني إلى إسبانيا".

وتضيف: "سافرت إلى الجارة الشمالية للمغرب، يوم 7 مارس الماضي، وعدت في اليوم الحادي عشر منه. توجهت مباشرة إلى مقر عملي، لكن بعد مرور يومين، قررت الإدارة منحي عطلة لمدة 14 يوما من أجل الخضوع للحجر الصحي؛ إذ شرعت الإدارات في المغرب في الطلب من موظفيها، العائدين من الخارج، الاستفادة من عطلة أسبوعين بعدما تبين إصابة وزير التجهيز والنقل واللوجيستيك، محمد عمارة، الذي كان في رحلة إلى الخارج بالفيروس".

"بعد مرور ثلاثة أيام على بقائي في الحجر الصحي، تحكي "ندى"، بدأت تظهر علي أعراض المرض، حيث ارتفعت درجة حرارتي فجأة، وشعرت بصداع في الرأس، مصحوب بعياء شديد في جميع أعضاء جسدي".

تعب "ندى" وظهور أعراض الفيروس عليها دفعاها إلى الاتصال بخدمة "ألو يقظة"، حيث تقرر إخضاعها للتحاليل المخبرية للتأكد من إصابتها بالفيروس.

تستحضر "ندى" هذه اللحظات العصيبة بقولها: "حينما تأكدت إصابتي بالفيروس، أصبحت أفكر في الموت فقط، وجعلت الأسئلة الوجودية المقلقة النوم يجافي جفوني. كنت في غرفة لوحدي في أولى أيامي في المستشفى، وبدأت حالتي تتحسن شيئا فشيئا، وكنت أقضي يومي بين الصلاة وقراءة القرآن ومتابعة الأخبار على الإنترنيت، إلا أن وضعيتي ستنقلب رأسا على عقب بعد تناولي دواء الكلوروكين".

تتذكر "ندى" الانقلاب الشديد في وضعها الصحي بعد تناول "الكلوروكين" بالقول: "كانت وضعية صعبة جدا، حيث تدهورت حالتي بسبب الإسهال الشديد وضعف الرؤية، وحرقة المعدة، مما دفع الطاقم الطبي إلى إيقاف معالجتي بهذا الدواء، ثم بدأت حالتي تتحسن شيئا فشيئا، إلى أن شفيت تماما".

ورغم شفاء "ندى" من فيروس "كورونا" إلا أن آثاره النفسية مازالت ترافقها، إذ أصبحت لا تطيق تناول الأدوية خوفا من عودة نفس الأعراض التي تسبب لها فيها دواء "الكلوروكين"، مضيفة أن طبيبة للجهاز الهضمي وصفت لها بعض الأدوية من أجل تجاوز الأعراض التي تسبب فيها دواء "الكلوروكين" على مستوى المعدة.

الوقت الذي قضته "ندى" في مستشفى عمومي بطنجة غير نظرتها لقطاع الصحة في المغرب؛ إذ تقول "لم أكن أتوقع أن يتم الاهتمام بي بدرجة كبيرة، لكن ما وجدته خالف توقعاتي. لقد اهتم بي الطاقم الصحي اهتماما بالغا، كما أن التغذية كانت جيدة، لذلك لا يسعني إلا أن أشكرهم جميعا، أطباء وممرضين وإدارة".

وتختم ندى حديثها لـ"تيلكيل عربي" بالقول: "أعتقد أنني نجوت من الموت، وعرفت قيمة كل شيء في حياتي، كل الأشياء التي كنا نعتبرها عادية وروتينية ندرك قيمتها حينما نفقدها، وأحمد الله أنني اجتزت هذا الابتلاء".

مريضتان في بيت واحد

قصة "ندى" لا تختلف كثيرا عن قصة شقيقتها "هـ.م"، فهما توأم، حيث كانت مخالطتها لشقيقتها سببا في إصابتها بالعدوى.

تقول شقيقة "ندى" في اتصال مع "تيلكيل عربي": "بحكم عملي كنت يوميا أقوم بإيصال ابني إلى منزل والدتي، حيث توجد شقيقتي من أجل الاعتناء به، وذلك بعد قرار وزارة التربية الوطنية إغلاق المدارس"، وفضلا عن ذلك تقول "ندى": "نحن توأم حقيقي، نحن متطابقتان في كل شيء، لذلك كان طبيعيا أن ينتقل الفيروس إلي، فأنا الوحيدة التي أصبت من بين العائلة كلها، ومن بين الذين كانوا يعملون مع شقيقتي".

"هـ.م"، التي تشتغل في إحدى الوكالات البنكية، تؤكد لـ"تيلكيل عربي" أنها كانت تلتزم بأقصى درجات الحيطة والحذر داخل مقر عملها، حيث كانت ترتدي الكمامة وتحرص على تعقيم يديها باستمرار، مما حال دون انتقال الفيروس منها إلى باقي زملائها.

وتضيف: "بعد أيام من تأكد إصابة شقيقتي، بدأت تظهر علي أعراض الفيروس من إسهال وارتفاع لدرجة الحرارة، وسعال حاد، وألم في الصدر والحنجرة، وصداع في الرأس، مما دفع زوجي للاتصال بمندوبية وزارة الصحة، حيث أجريت لي التحاليل المخبرية وتأكدت إصابتي، لتبدأ رحلة العلاج".

وكما حدث مع شقيقتها، لم تطق "هـ.م" الأعراض الجانبية لدواء "الكلوروكين"، مؤكدة أنها تناولته لمدة يومين فقط، وتوقفت عن تناوله بعدما أصيبت بإسهال حاد جدا، وفقدت حاسة الشم والذوق، وأصبحت رؤيتها شبه منعدمة، فضلا عن الآلام التي خلفها لها على مستوى المعدة، والتي مازالت لحد الآن تتناول الأدوية من أجل علاجها.

 وتتابع: "بعد ذلك، بدأت حالتي الصحية تتحسن تدريجيا، إلى أن اختفت تقريبا جميع أعراض الفيروس، وأكدت التحاليل المخبرية خلوي منه".

ولم تنس المتحدثة تقديم شكرها للطبيبة التي كانت تشرف على متابعة حالتها، مؤكدة أن دعمها النفسي كان له بالغ التأثير على حالتها.

وختمت تصريحها بالقول: "الآن، أدركت أن نعمة الصحة لا يعادلها أي شيء مهما كان".

ممرض ينتصر على "كورونا"

لم يتردد "بدر الدين معاش"، وهو شاب في الثلاثينات من عمره، لحظة واحدة، في تقاسم تجربته في مواجهته "كورونا" مع قراء "تيلكيل عربي"، فوظيفة الإعلام بالنسبة له أساسية لنشر الوعي وسط المواطنين وزرع الأمل في صفوف المصابين.

"بدر الدين"، الممرض المختص في الأمراض العقلية والنفسية، أوضح لـ"تيلكيل عربي" أنه فور ظهور أعراض الفيروس عليه، خضع للتحليلات المخبرية التي أكدت إصابته بالفيروس، قبل أن يخضع للعلاج بمستشفى مولاي عبد الله بسلا.

ويؤكد "بدر الدين" أنه تناول دواء "الكلوروكين"، كغيره من المرضى، إلا أن الأعراض الجانبية التي ظهرت عليه كانت بسيطة مقارنة مع الأعراض التي ظهرت على حالتي الشقيقتين في مدينة طنجة.

ويضيف: "هذه المحنة استفدت منها دروسا كثيرة، منها بينها إعادة ترتيب أولوياتي في الحياة، والإقبال، ما أمكن، على فعل الخير".

 وينصح "بدر الدين" المصابين بفيروس "كورونا" بعدم السقوط في فخ التوتر النفسي، لأن من شأنه المساهمة في تدهور حالتهم، كما يؤكد على ضرورة التعايش مع المرض وتسطير برنامج يومي لقضاء الوقت، والأكل الجيد.

ويقول: "كنت أحرص على قراءة القرآن، ومشاهدة الأفلام، بعيدا عن أخبار فيروس كورونا، قبل أن أتعافى من المرض، وأعود لبيتي".

حامل للفيروس بدون أعراض

تؤكد وزارة الصحة أن 78 في المائة من المصابين بفيروس "كورونا" في المغرب تظهر عليهم أعراض بسيطة أو لا تظهر عليهم أية أعراض. ولعل هذا التوصيف ينطبق على "سعيد حنشاوي"، الخمسيني الذي يشتغل تقنيا بمستشفى محمد الخامس بالدار البيضاء.

يقول "حنشاوي"، في حديثه مع "تيلكيل عربي": "حينما تأكدت إصابة إحدى الطبيبات بالمستشفى الذي أشتغل به، أجريت التحاليل المخبرية، رفقة عدد من العاملين بالمستشفى، بما في ذلك إحدى الطبيبات التي وافتها المنية، في ما بعد. أجريت التحاليل رغم عدم ظهور أية أعراض علي، وتأكدت إصابتي، واستمر نفس الوضع، على امتداد فترة المرض، حيث لم تظهر علي أية أعراض، إلى حين تأكد خلو جسمي من الفيروس".

ويتابع: "حينما حملت في سيارة الإسعاف كنت أضحك، لم أكن أشعر بأية أعراض، وبعد ذلك تبين أن زوجتي أيضا مصابة، والحمد لله لم تظهر عليها أيضا أية أعراض".

 ما كان يؤرق "سعيد" هو خشيته من إصابة ابنه، الذي يعاني من داء السكري، لكن ذلك لم يحدث، مضيفا أن مخاوفه تبددت بعد تأكده من عدم إصابة ابنه.

إصابة بعد طمأنة الأطباء!

"بنسعيد" واحد من ضحايا بروتوكول إجراء التحاليل، إذ لم يتم اكتشاف إصابته إلا بعد أسبوع من ظهور أعراض الفيروس عليه، من صداع وسعال حاد، رغم أنه يشتغل مسؤولا على العتاد بأحد مستشفيات الدارالبيضاء.

 يقول "بنسعيد": "طلبت إجراء التحاليل، لكن الأطباء أخبروني أن المعايير لا تنطبق علي. وبعد مرور أسبوع، أجريت الفحص بالصدى، فاكتشفت أنني وصلت لمرحلة الالتهاب الرئوي، ثم أجريت التحاليل الخاصة بفيروس كورونا، فتأكدت إصابتي".

ورغم المعاناة والأعراض الشديدة التي ظهرت عليه، إلا أنه تجاوز هذه المرحلة بسلام، وتحسنت حالته.

يقول بنسعيد إن الاهتمام الكبير الذي لقيه من طرف الطاقم الطبي المشرف على علاج مرضى فيروس "كورونا" ساهم، بشكل كبير، في رفع معنوياته وشفائه، مضيفا أنه تناول دواء "الكلوروكين" لمدة 14 يوما.

ويحكي ما عاناه خلال مرضه بالقول: "فكرت في البداية في الموت، لكن مع توالي الوقت سلمت أمري لله، وأصبح لي برنامج يومي يقوم على الصلاة والقراءة"، مضيفا أن المريض الذي لا يضع برنامجا ليومه سيعاني كثيرا على المستوى النفسي وسيشعر بالملل.

سائحة تنقل الفيروس

"موح بوحدو"، ابن مدينة أرفود، واحد من الشباب الذين يشتغلون في قطاع السياحة، انتقل إليه الفيروس بعد مخالطته لعدد من السياح الفرنسيين، الذين كانوا في زيارة للمغرب، قبل تعليق الرحلات الجوية بين البلدين.

يروي "بوحدو" قصة إصابته بفيروس "كورونا"، لـ"تيلكيل عربي"، فيقول: "أنا أشتغل سائقا لإحدى حافلات النقل السياحي، ولدي علاقة ببعض السياح الفرنسيين، الذين ألحوا علي من أجل نقلهم ومرافقتهم إلى عدد من مناطق المغرب"، مضيفا أنه ظل برفقتهم لمدة أسبوع قبل أن يغادروا المغرب.

ويضيف: "بعد مغادرتهم، تلقيت اتصالا من سائح فرنسي أخبرني أن سائحة، كانت برفقتنا، تأكدت إصابتها بفيروس كورونا، وحذرني من الاقتراب من أفراد عائلتي، وهو ما قمت به، فتوجهت مباشرة إلى المستشفى بأرفود، لكن مسؤولي المستشفى نصحوني بالتوجه إلى مستشفى الرشيدية، وهو ما قمت به، حيث ألححت عليهم بضرورة إجراء التحاليل المخبرية، وهو ما تم".

ويحكي "بوحدو" ما وق في تلك اللحظات الأليمة: "أخبروني أن نتيجة الاختبارات التي خضعت لها إيجابية. أصبت بالذعر في البداية، وبدأت أفكر في الموت، لكن حدث ما لم أتوقعه، لم تظهر علي أي أعراض لحد الآن، وأكدت التحاليل المخبرية خلوي من الفيروس بعد ذلك".

من الحب ما أصاب بـ"كورونا"

"مروان فرحي" واحد من شباب مدينة مكناس، ينشط في جمعية "محبي فريق برشلونة". ولع "مروان"، البالغ من العمر 35 عاما، بفريق برشلونة الإسباني دفعه للذهاب إلى إسبانيا من أجل حضور إحدى مبارياته.

ويحكي "مروان" ما وقع، منذ البداية، بقوله: "اتخذنا الاحتياطات اللازمة من أجل تفادي الإصابة بفيروس كورونا، لكن حينما وصلنا لاسبانيا وجدنا الأمور عادية جدا، وكأن الأوضاع طبيعية، ولايوجد فيروس يفتك بالناس".

وتابع: "قضيت أربعة أيام في إسبانيا، ثم عدت لمدينة مكناس، وبدأت أباشر عملي بشكل عادي، لكن بعد خمسة أيام بدأت أشعر بالعياء، وبعد ثلاثة أيام وجدت صعوبة في التنفس، فقررت التوجه إلى المستشفى".

ويضيف: "حينما أخبرتهم بأنني كنت في إسبانيا، وأن أعراض الفيروس ظهرت علي، قرروا إخضاعي للتحاليل المخبرية لتتأكد إصابتي، وآنذاك كنت مجبرا على التعايش مع وضعي الجديد، وتجنب الانهيار النفسي".

"كنا نحاول خلق جو خاص بنا لتجنب الانهيار النفسي، يقول مروان، كنا حريصين على تبادل الحديث فيما بيننا، ودعم بعضنا البعض، كما يعود الفضل للطاقم الصحي في الرفع من معنوياتنا وعلاجنا".