يؤكد محمد الطوزي، الخبير في علم الاجتماع، والأستاذ بجامعة "آكس أون بروفانس"،وعضو اللجنة الخاصة للنموذج التنموي، أن "هناك ما قبل وما بعد هذه الجائحة. وحتى مفهوم الجائحة يذكرنا بجائحات أخرى عرفها المغرب في القرنين السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر وحتى في القرن العشرين. ودائما هناك ما قبل وما بعد الجائحات، وهذه محطة مهمة للتفكّر وليس التفكير في المآلات كلها".
يطرح ذلك الآن علينا، يقول الطوزي، "عدة اختيارات والتي ليست اختيارات مغربية، بل اختيارات عالمية. وهذا موضوع للمساءلة. قضية ما يسمى تقسيم العمل على المستوى الكوني هي موضوع مساءلة. قضية تموقع الدولة الوطنية داخل المنظومة العالمية هو أيضا موضوع مساءلة. قضية الأهمية القصوى للرابط الاجتماعي وما يؤسس للرابط الاجتماعي هو علاقة الحاكم والمحكوم في إطار علاقة "رعاية" وليس علاقة "رعوية" في علاقة بكلمة "رعية"، لأن المسألة الأساسية هي أن الخدمات الاجتماعية هي التي تؤسس لهذه العلاقة وليست الإيديولوجيات أو شيء آخر، والأساس الآن والذي يؤسس لعلاقة الحاكم والمحكوم هي الخدمات الاجتماعية بالأساس".
وأضاف الطوزي أن "هناك مسألة أخرى وهي أنه ليس كل شيء يدخل السوق. هناك عدة أشياء لا يمكن أن تُسوَّق، لأنها تدخل في خانة الملكية المشتركة والمشترك. فالماء لا يُسوّق والهواء لا يسوق والصحة لا تسوّق والمدرسة لا تُسوّق، لأنه لا يمكننا أن ننظر إلى كل شيء كبضائع، لأن منطق السوق لا يحكم هذه المسائل. وأظن أن هذه تساؤلات كبرى هي فلسفية أكثر منها شيء آخر".
ويظن المتحدث أن "ما يسمى بـ'تأخرنا'، بـ'تأخر' المغرب في عدة مجالات، إلى حد ما، هو نعمة، لأننا نلاحظ بشكل كبير أن ضعف الدولة في المغرب ترك، إلى حد الآن، المجال للمجتمع، لكي تبقى الروابط الاجتماعية قوية إلى حد ما. ليس هناك رابط عمودي فرد-دولة، فرد-دولة، وهذه العلائق الأفقية هي التي تعطينا إمكانية التحمل وإمكانية المواجهة، وليس الأمر يتعلق بالتآزر، بل لأن المجتمع مازالت لديه القوة التضامنية والعصبيات، ليس بالمفهوم الخلدوني الكبير، ولكنها عصبيات صغيرة، ما يعطينا قوة التحمل. هذا كان يحسب تأخرا إلى حد ما، ولكن في ظل هذه الطامة الكبرى يعطي قدرات كبرى للناس، ويعطي حتى بعض ردود الأفعال. كما تلاحظ، الدولة لم تتعامل مع هذه الجائحة كدولة متقدمة، لأنها فعلا ليست دولة متقدمة، لأنه لتوزيع الكمامات مع الحليب يجب أن يكون لديك ذلك الرصيد التاريخي للسخرة وغير ذلك، ويكون ذلك في ثقافتك، لأنه لا يمكن أن تمرر الكمامة والحليب في دولة أخرى. وهذا ما يسمى بالمرونة أو الخفة (agilité) وليس منطلق ذلك خفة الدولة لأن الدولة بمفهومها التقني ليست لديها تلك المرونة أو الخفة، لأن المجتمع هو الذي يتميز بتلك الخفة، والناس يقضون أيامهم في تلك الخفة من أجل 'البريكولاج'، وهذا 'البريكولاج' هو القوة الخلّاقة على المستوى اليومي".
ويعتبر أن "هذا كله يطرح علينا عدة أسئلة، حول ماهي مضامين القوة ومضامين الخلل في المجتمع الآن؟ وأين هي نقاط القوة التي تمكننا من مواجهة هذا الوباء؟ وهذا كله يطرح تساؤلات كونية لأن عندما نتكلم عن ماهي إمكانياتنا على مستوى البنية الشخصية المغربية في تعاملها مع شظف العيش ومع قلة الوسائل المتعودة عليها، مع حتى غياب الدولة في عدة مجالات، تعطي إلى حد ما ومرحليا، شيئا من المناعة وهذا ما يغذي وما يمكّن الدولة من تجاوز هذا الأمر. لكن يجب ألا ننسى بأن تصورنا لعلاقتنا مع الطبيعة وتصورنا لعلاقتنا مع الكون وتصورنا لعلاقتنا مع العالم هو موضوع مساءلة. ولابد من الدخول بجدية في نقاش كبير حول النموذج".
وحول النموذج الجديد للتنمية، يقول بحكم عضويته للجنة الخاصة بذلك، "نعم، هناك أشياء تناقشنا فيها إلى حد ما من قبل، في ظل التغيرات المناخية وقلة الموارد والمشاكل المطروحة على العالم قبل هذه الجائحة، لأن 'كورونا' هي تجل من التجليات لهذه التغيرات التي تقع في العالم الآن. والشخصية المغربية يجب أن تُبنى حول الثقة في الإمكانيات الذاتية أولا، والثقة في القدرات المحلية، والتي تتجلى في تدبير الندرة، وفي خصائص البداوة، كما يقول ابن خلدون، وليس بفهوم 'العروبية'. البداوة بمعنى التعامل مع شظف العيش ومع الندرة ومع الصعوبات اليومية وهذه هي نقط القوة للمجتمع وهذه هي نقط القوة التي يجب أن تستثمر في بناء مغرب جديد".
وشدد على أن "الدولة تستعمل جانبها التقليدي، للتصدي للوباء، وليس فقط توزيع الكمامات مع الحليب". وأعطى مثال "المقدم"، الحاضر بقوة في هذه الأيام، وأخبر "تيلكيل عربي" أن كتابه المقبل، الذي قال إنه كتبته قبل هذه الظروف، فيه باب عن "المقدم". وقال "أتدري أن مقدم الحي الذي أقيم فيه كم وزع من ورقة (الخروج)؟ شخص واحد وزع 10 آلاف ورقة! وهو لم يكن مستعدا لذلك وما أخبروه بشيء. في يومين وزع ذلك. وكما قلت لك تأخراتنا هي فرصنا إلى حين. ولكن جانب التضامن، مستمر، وحساب 1212 يعمل، ولكن الأكثرية في جهة أخرى، وبشكل مباشر، حيث كل شخص 'يتكلف' بأربعة! وكل هذا يعطي نسبيا قوة لا تغيّب العناصر الأخرى، فهي لا تغيب الخدمات العمومية التي تبقى محورية كالصحة والمدرسة وهما محوريان في بناء العلاقة بين الحاكم والمحكوم"...