دروس "كورونا".. بن حمزة: لا يجب أن ندخل الدين لأنه يؤدى بكل يسر

موسى متروف

في قراءته للدروس التي يجب استخلاصها من تفشي وباء "كورونا" المستجد في المغرب، كما في باقي دول العالم، يقدم العلامة مصطفى بن حمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى ورئيس المجلس العلمي لوجدة، بناء حجاجيا، لا يشغله الهاجس الديني.

يعتبر العلامة مصطفى بن حمزة، عضو المجلس العلمي الأعلى ورئيس المجلس العلمي لوجدة، أن "كل المجتمعات اتخذت الخطوات التي رأتها مناسبة لمواجهة انتشار هذا الوباء. والمغرب كانت له رؤيته الاستباقية ولذلك لجأ إلى شيء من المنع، منع الاتصال بالخارج والقرار كان بلا شك صعبا بامتياز، لأنه أساسا قرار سيادي ولكن لم يكن سهلا لأن الأطراف الأخرى كانت لازالت تفتح أبوابها، سواء في إيطاليا أو فرنسا، ولم يتقبلوا قرار المغرب بسهولة، ولكن المغرب حينئذ مارس سيادته لأن ذلك كان هو الحل الناجع".

وأضاف "الحقيقة أن هذه الخطوات التي اتخذها المغرب هي قاسية، ولاشك في ذلك، ولكنها كانت ضرورية، من قبيل إغلاق المدارس وإغلاق أكثر المؤسسات، والتي فيها مؤسسات اقتصادية وهو الآن الشيء الذي صارت إليه حتى الدول التي كانت تتساهل في ذلك. أمريكا وبريطانيا في البداية لم تأخذا الأمر بهذه الجدية ولكن الكل رجع إلى هذا، بحيث إن الذين كانوا يتهاونون هم الآن أصيبوا ويخافون أن يصابوا الآن، لذلك هذا لم يكن محل اختيار، بل كان أمرا ضروريا، إنما كان يحتاج إلى شجاعة الفعل فقط. وأنا أظن أن المغاربة الآن من الأقل في العالم من حيث الإصابات، أما الجهات الأخرى التي انفتحت ولم تتخذ مثل هذا القرار فلا شك أنه قد داهمها الآن الوباء ودخل في كيانها ويصعب الآن التخلص من ذلك، فلابد من ضحايا كثر ولا بد من وقت ليمر بحسب الزمان فقط. لذلك نرى أن هذا شيء مهم جدا والقرارات التي اتخذت يجب تثمينها، لأن أي قرار في نهايته يخلص الإنسان فهو صائب، وليست هذه قرارات سياسية بل أمر يفرض نفسه وإلا فإننا نضحي بالإنسان".

وذكر من ذلك إغلاق المساجد، وقال إن "البعض لم يفهم الأمر في البداية والحمد لله كان الإغلاق قرارا حكيما، والمهم أن الناس نجوا، والآن نرجو أن يمر كل هذا، ليعود الناس إلى المساجد ويحمدوا الله أنهم نجوا. لو فتحنا المجال منذ البداية، لكان عدد من المصلين وعدد من الأئمة وعدد من الفقهاء مصابا لأن العدوى ليس فيه محاباة ولا مجاملة، لأن الإنسان عندما يكون وسط الوباء لابد أن يصيبه. الحمد لله، هذا لم يقع والآن أصبحت جهات كثيرة، في غير المغرب، تشيد بهذه القرارات الصعبة، خصوصا بالنسبة لدولة مثل المغرب ولكن الجميع سيعود إلى مثل هذه القرارات. وفعلا الكل عاد إلى هذا. نرجو، إن شاء الله، أن يكون هذا مفيدا ونافعا وأن نستخلص منه الدروس والعبر الكثيرة".

وقال إن "وباء 'كورونا' هو زلزال عالمي يجعل الناس يرجعون إلى أشياء، أولا مسألة البحث العلمي والعلم. ووجدننا الآن الجيش الذي كان مختبئا وهو جيش الأطباء والممرضين والمسعفين. هؤلاء طبعا لم تكن لهم المكانة التي كانت لغيرهم. كانت فئات أخرى تحظى بكل اهتمام المجتمع، بحيث كان الطبيب غير معروف المكانة، الآن جاءت اللحظة لنعيد ترتيب الأشياء، البحث العلمي عموما، والأطباء وكل ما يتعلق بهم ثم تجهيز المستشفيات. ولولا أن المغرب كانت له فرصة هذا الصندوق الذي أُحدث لكانت المشكلة كبيرة جدا، والولايات المتحدة الأمريكية تقر على نفسها بأنها ليست لها القدرة الاستيعابية لتلقي كل هؤلاء المرضى. والناس في بعض الدول كإيطاليا أو إسبانيا لا يجدون مكانا في المستشفى، وفي فرنسا كان الناس يبعثون إلى ألمانيا، قبل الآن، أما الآن فلا أحد عنده فائض في العتاد، والكل يسارع الزمن لأن هذا لم يكن متوقعا".

وأكد بن حمزة أن "هذا سيعيدنا من جديد إلى الوزارات والمراكز البحثية ومراكز البحث العلمي التي يجب أن تكن لها اعتمادات حقيقية وأن تكون هناك خطوات جديدة لدعمها دعما استثنائيا ويجب أن تقوى المستشفيات الجامعية وكليات الطب والصيدلة ومدارس التمريض لأن هذا قد يقع مرة أخرى، ونسأل الله تعالى ألا يتكرر هذا قريبا ولكن لابد أن نقول بأن الاستثمار في الميدان العلمي وفي الميدان الطبي ليس استثمارا خاسرا ويجب أن ننقص من الأشياء الأخرى، التس كان الاهتمام بها ويتحدث عنها صباح مساء، نلعطيها حجمها وتتراجع قليلا إلى الوراء ليبقى الاهتمام بما هو علمي. ثم لابد أن نفكر من جديد في إعداد المواطن لمثل هذه اللحظات عن طريق التربية. أزلنا التربية الوطنية وصرنا نتحدث على أن الإنسان يفعل ما يشاء، الآن لا، عرفنا معنى الانضباط وعرفنا معنى الاحترام وعرفنا معنى القوانين وعرفنا أشياء كثيرة والآن، إذا تركنا الناس يفعلون كما يشاءون فمعنى ذلك أننا نسمح لهم بالعودة إلى حالات الاستهتار وهناك بعض الشباب لم تكن لهم فكرة الدولة وفكرة الانضباط والآن هم يُعودون ويروضون وهناك قرارات وهناك متابعة وهناك ملاحقة في الشوارع لأن الناس فهموا أن يكون الأمر هكذا وأنهم يفعلون ما يشاءون، لأنهم فهموا معنى من الحرية بأنه لا أحد يستطيع أن يقول لإنسان ما يمكن أن يفعل. ولكن هذا يجب أن تستوعبه برامج التعليم الابتدائي والثانوي وفي الجامعة ونحن لاحظنا نوعا من الاستهتار ونوعا من الميوعة وهؤلاء يجب أن يعودوا إلى الصف، لأنه ليس هناك الإنسان بل هناك المجموع، فنحن كنا نغذي في الإنسان أنه فرد ولم نكن نتكلم عن الجماعة، ونتحدث عن الحريات الفردية، والآن تبين أن الحريات الفردية لايمكنها أن تنقذ مجتمعا كهذا. هناك حرية ورؤية مجتمعية قد تعصف بالمجتمع إذا لم ينضبط واحد، لأن المسألة لم تعد تتعلق بحياته، بل بحياة المجتمع. فهذه أشياء كثيرة جدا والوقت لازال مبكرا للتقويم، ولكن بالتأكيد ستظهر دراسات. إنما التقويمات التي ستكون يجب ألا تكون مؤدلجة، يجب أن تكون موضوعية والإيديولوجيا قد تكون صحيحة وقد لاتكون، ولكن المفيد أن يكون هناك اعتناء بالمجتمع وإعادة ترتيب الأوراق من جديد.

ومع قرب رمضان ينصح العلامة بن حمزة بـ"الحيطة لأن حفظ النفس هو الأصل"، ويتساءل: "الآن ماذا سيفعل الناس؟"، ويجيب "سيصومون وسيصلون على النحو الذي يتيسر لهم. الآن الاجتماع غير ممكن، وهذه مسألة عالمية الآن، والسعودية تتحدث عن الحج بأنه قد لا يتيسر, ثم لا يجب أن نعود إلى الوراء من جديد، بمعنى أن يأتي رمضان ونفتح كل شيء، أي كأننا لم نفعل شيئا. المهم أن يبقى المخطط والزمن ليس مهما. ورمضان أهم شيء فيه هو الصلاة والصيام، والناس سيصومون ويصلون في بيوتهم وينتهي الأمر ولكن لايجب أن يكون مبررا لفتح هذا الأمر من جديد، ونحن ليس لنا خيار الآن، والخيار الأساسي هو الحفاظ على الأنفس، لذلك سواء يأتي شعبان أو رمضان أو عيد الأضحى، يبقى دائما أننا في حرب مستمرة وليس فيها هوادة وليس فيها توقف؛ أي نوقف هذه الإجراءات ونتراجع عن كل شيء لأننا سنعود إلى الحالة الأولى  وطبعا ليس لدينا الاستعدادات. والآن، أمريكا استنزفت ماليا وهم يتحدثون عن التدين، وتحدثوا عن التريليون الأول والتريليون الثالث، والآن هم يقيمون السياسات ويقولون إن الأموال التي صرفوها في الحروب كان يمكن أن يستثمروها في أشياء أخرى، لأنه تبين أن أمريكا استثمرت في الحرب أكثر مما استثمرت في السلم والآن صارت كأنها دولة من دول العالم الثالث، لأن الاستثمارات كلها كانت تذهب إلى العتاد الحربي والتكنلوجيا النووية وتدمير الآخرين. والآن، كل هذا يجب أن يتوقف لأن أمريكا هي نفسها أصبحت أسيرة ما فعلت وتوسعت في العالم وفرضت الحصار على هذه الدولة وتلك والآن الناس في مرحلة صعبة. وهذا فيه خير إن شاء الله، سيؤدي إلى إعادة النظر وتقويم السياسات العامة. ولكن نحن لا يجب أن ندخل الجانب الديني لأنه يؤدى بكل يسر. نصلي في البيوت، إذا تيسر ذلك ونصلي التراويح في البيوت، كما في البادية لأن البيوت متباعدة وليسوا كلهم في البادية يذهبون إلى المساجد، لأنه بين المسجد والبيت هناك ثلاثة كيلومترات ولا يمكن أن يذهبوا في الليل ولكنهم يصلون في بيوتهم والآن الضرورة لها حكمها ونحن نتحدث عما تلزمنا به الضرورة والمطمح الكبير هو حفظ أنفس الناس".