لا يخفي الخبير الاقتصادي والمتخصص في استراتيجيات تدبير المخاطر المهدي الفقير قلقه من الأفق الاقتصادي المغربي لما بعد وباء "كورونا"، الذي فرمل عجلة الاقتصاد العالمي وأوقف التبادل التجاري وطرد السياح وأوقف تحويلات مغاربة العالم، وبالموازاة، ينتصب قطاع غير مهيكل اضطر إلى الركود مجبرا، وعلى الدولة تحمله، على الرغم أنها لم تستفد منه يوما.
يتحدث الفقير عن الدروس الاقتصادية التي يجب استخلاصها وعن منظومة اقتصادية أغلب فاعليها صنعوا مجدهم المالي من تحين الفرص بهدف الربح السريع، ويقول إن أكبر الأخطاء، أن لا أحد اليوم يتوفر على سيناريو لتدبير هذه الأزمة أو كيفية التعامل والعيش معها، لأن النسيج الاقتصادي المغربي كان يرفض دائما اختصاصا اسمه "تدبير المخاطر".
ويعتبر هذا الخبير الاقتصادي بأن اقتصاد المغرب ما بعد "كورونا" ليس كسابقه، وقال " نحن مقبلون على فترة اقتصادية سيئة بكل المقاييس، وهناك من يتحدث عن انكماش في نسبة النمو، تحدث للمرة الأولى بعد أزيد من ربع قرن، وبالتالي، فإن على النسيج المقاولاتي أن يهيئ نفسه، وألا يعول على إنقاذ من الدولة، لأن الدولة بأجهزتها السيادية، هي من تدبر الأزمة بشكل حقيقي".
ويدعو الفقير إلى إعادة النظر في النموذج التنموي المغربي من الناحية الاقتصادية، وإعادة النظر في السياسة الاقتصادية، التي يصفها بأنها "طموحة" لكن وباء "كوروا" عرى نقاط سلبية كبيرة، ويوضح "لقد كان أغلب النسيج الاقتصادي ينبني على عقيدة الاستغلال وتحين الفرص، آنية الربح وليست استراتيجية، وأنا هنا لا أعمم، وإنما أتحدث عن الغالبية، مقاولات كانت تضع صوب أعينها الربح السريع، وبالتالي لم تكن هناك استراتجيات بعيدة المدى، تعتمد على البحث والابتكار والبحث العلمي. لقد كانت لدينا هياكل اقتصادية ضخمة لا تبدع، والدليل ما واجهناه اليوم من نقص في الصناعات الطبية والمعدات الوقائية، وهي أجهزة ووسائل يمكن أن نصنعها بسهولة، لكن بما أن تصنيعها لن يدر أموالا بشكل سريع، وسوقها ليس عليها إقبال كبير، فلم نعرها اهتماما. اليوم وجدنا أنفسنا نسابق الزمن، ولحسن الحظ وجدنا بيننا طاقات مبدعة".
ويشدد الفقير على أنه لابد من استخلاص العبر من هذه الأزمة، وإعادة النظر في محددات العمل الاقتصادي، والعمل على عدم الوقوع في شراك الأزمات لتفادي الصدمات، ويوضح "المال ليس هو الهدف الأسمى، يجب على النسيج المقاولاتي أن يتوفر على قدرة تطويرية واستشرافية وقابلية كبيرة على التأقلم".
ويرى الفقير أن من أهم تبعات "كورونا" على الاقتصاد تتجلى في نهاية زمن الربح السريع وتحين الفرص، والاعتقاد أن الذكاء هو البحث عن الفرص، ويفسر "يجب التخلي عن الاستيراد، فأمام ضغط تراجع العملة الصعبة، بسبب السياحة وتحويلات مغاربة العالم، فإنه سيجري تقليص ميزان المشتريات، وهذا ما ينهي مع عقلية الدهاء المقاولاتي أو عقلية الريع، هؤلاء ستجر 'كورونا' عليهم وبالا كثيرا".
ويزيد موضحا "الذكي هو من كان ينتج داخليا. الصناعات الغذائية بشكل كبير كمثال على ذلك، ففي السابق من كان يتحدث عن الجانب القيمي في الاقتصاد، كان ينظر إليه كمغفل، وعندما تتحدث عن الوطنية الاقتصادية توصف أيضا بالمغفل في عرف الأذكياء"، ويزيد قائلا "ستشهد الاقتصادات مزيدا من الانطوائية، وتقلصا في التجارة الدولية، وبالتالي، فإن الاقتصاد المبني على الاستيراد من الصين، وإغراق الأسواق الداخلية، انتهى. أنماط استثمارية أخرى ستتأثر، وأظهرت محدوديتها، كالاستثمار في العقار والمقاهي".
ويرى الفقير أن الإشكال المطروح اليوم هو تدبير الأزمة والتعايش مع الوضع الاقتصادي في زمن الجائحة، ويقول "دور الدولة محوري، ويجب احترام أجهزة الدولة السيادية والإدارية، التي أبانت عن نضج كبير في تدبير الأزمة، في حين لوحظ غياب رهيب لما يمكن أن نعتبرها قوى الوساطة، ممثلة في الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني والصفوة والذين انبرى بعضهم للحديث بمنطق القاعدة في زمن الاستثناء، فكيف نرى اقتصاديين ومنظرين يتسابقون للحديث عن أسس علاقة جديدة بين المشغل والمستخدم، ومحاولة العثور عن مفاهيم جديدة للقوة القاهرة، إنه أمر مخز في الحقيقة، نحن اليوم في حاجة إلى أفكار جديدة لتجاوز الأزمة. الجميع مدعو لابتكار حلول والتفكير في أنماط اقتصادية جديدة، عوض تخمة التشخيص الحالي".
ويدعو المتحدث النسيج المقاولاتي المغربي إلى التخلي عن عقلية "الضحية" والبحث عن دعم الدولة بأي وجه كان، ويقول "الإفلاس المقاولاتي نفسي قبل أن يكون ماديا. لا يمكن أن يعول الجميع على الدولة، فالمقاولة الحقيقية والناجحة تكسب قوتها من صلابتها ومناعتها وقوة ابتكارها ومدى تأقلمها مع الأوضاع الطارئة".
ولا ينظر الفقير بتفاؤل للقادم من الأيام، خاصة فيما يتعلق بالعلاقة بين المستخدمين وأرباب المقاولات، أو حتى فيما يخص القطاع غير المهيكل، ويقول، في هذا الصدد، إنه "من بين الدروس التي يجب أن نستوعبها هو استفاقتنا اليوم ونحن نغرق في وحل القطاع غير المهيكل، كما أتوقع الأسوأ في تعامل الفاعلين الاقتصاديين، ففي الشهر الأول من الأزمة سارع مقاولون إلى رفع أيديهم عن دفع الأجور، وهذا بدوره أمر مخز، فأين الروح التضامنية بين مكونات المجتمع؟".
ويقترح الفقير تحويل الصندوق المالي الذي أحدثه الملك محمد السادس لتدبير انتشار وباء "كورونا"، إلى مؤسسة خاصة بتدبير الكوارث، تعمل على إنجاز خريطة تدبير المخاطر للبلاد ككل وعلى جميع الأصعدة، وأن تكون لها قوة سيادية.
ويضيف "الأزمة التي نمر منها، ليست تمرينا للأخطار، فواقع الخطر نعيشه وتدبيره يعتمد بشكل كبير على ما سيجود به الذكاء الجماعي، وذلك لن يتم إلا إن تخلصنا من منطق المظلومية، فالعالم كله سيشمر عن ساعديه للنهوض مجددا. ما لا أتمناه أن يستغل البعض هذه الأزمة، وأن يرقص على أطلالها، سواء كانوا فاعلين اقتصاديين أو جمعويين أو سياسيين".