أكد المندوب السامي للتخطيط، أحمد الحليمي، أول أمس الأحد، في حوار مع "Médias24"، أن "التضخم أصبح عاملا هيكليا في اقتصادنا، وعلينا التعود على التعايش معه"، مرجعا ذلك إلى "نقص المعروض في السوق المحلي، وليس بسبب زيادة الطلب، التي من شأنها رفع الأسعار"؛ مناقضا بذلك ما صرحت به الحكومة حول كون التضخم "مستوردا" (له علاقة بالظروف والأسعار الدولية).
وتابع الحليمي أن قرار بنك المغرب القاضي برفع سعر الفائدة "ليس هو الحل لخفض التضخم"، موضحا أن "الرافعة، التي يجب تفعيلها، هي الإصلاحات الهيكلية لسياسات الإنتاج لدينا؛ لأن مشكلة المغرب هي مشكلة عرض وليس طلب".
وأضاف: "علينا أيضا، أن نقبل أن تنمية بلدنا تعتمد، الآن، على زيادة الأسعار، وأن هذا التضخم جزء من فترة إصلاح، ونقلة نوعية في السياسات الاقتصادية. هذه هي الطريقة، التي تطورت بها العديد من البلدان في العالم، وهذا ما تعلمنا إياه أيضا، أدبيات ما بعد التصنيع. يجب أن نواصل جهودنا لتنمية البلاد، والتعود على التضخم".
وحول بلوغ نسبة التضخم إلى 10.1 في المائة، بنهاية شهر فبراير، أوضح المندوب السامي للتخطيط أن "التضخم مدفوع، بشكل أساسي، بارتفاع أسعار المواد الغذائية، والتي زادت بأكثر من 20 في المائة، على مدار العام".
وقال الحليمي في نفس الحوار: "خذ حالة المنتجات الزراعية. في المغرب، أصبح الجفاف عاملا هيكليا، في السنوات الأخيرة. مع تطور المناخ، وموقعنا في منطقة شبه قاحلة، سنشهد مرة، كل ثلاث سنوات، في المتوسط، جفافا كبيرا. وحتى عندما تكون هناك تساقطات مطرية، فإنه لا يتم توزيعها، بشكل جيد، على كامل البلاد".
وتابع: "وبالتالي، يجب أن ندرك أننا في وضع يجب أن تمر فيه الزراعة بثورة، من أجل تغيير نظام الإنتاج، والتحرك نحو السيادة الغذائية، والإنتاج لما نستهلكه، في المقام الأول، مع تحقيق أقصى قدر ممكن من التقدم التقني والتكنولوجي، لتحسين الغلة. بعد عامين من الجفاف، وسنة شبه جافة - العام الذي نشهده حاليا - نحن في وضع؛ حيث ننتج أقل من ذي قبل. لذلك، لدينا مشكل في العرض".
وأضاف: "الأمر الثاني، أن ما نستورده أصبح أكثر تكلفة، وسيظل كذلك؛ لأن تكاليف الإنتاج في جميع أنحاء العالم تتزايد، ولا تزال المخاطر الجيو إستراتيجية سائدة في السوق".
أما "العامل الثالث، الذي يوضح أن هذا التضخم سيكون دائما"، حسب الحليمي، "فهي الاحتياجات الهائلة للاستثمارات، التي يحتاجها العالم، مع ضرورة التحول البيئي، وانتقال الطاقة، وإزالة الكربون الصناعي، ودمج التقنيات في أنظمة وخدمات الإنتاج. هذا له تأثير مباشر على تكاليف الإنتاج، والتي ستزداد، من سنة إلى أخرى، لتنعكس على أسعار المنتجات النهائية"، مؤكدا: "باختصار، سنحصل على واردات سترتفع تكاليفها، وإمدادات محلية غير كافية، بسبب الكارثة المناخية، التي تخلق خللا في السوق، وستتسارع أكثر، في السنوات القادمة، مع زيادة عدد سكاننا، وتغيير أنماط الاستهلاك. وهذا يجب أن يشجعنا على إدراك أن الزيادة في الأسعار ستصبح هيكلية".
ودعا المندوب السامي للتخطيط حكومة أخنوش إلى "التعامل مع الرأي العام باحترام، واعتباره ناضجا، وإخباره بالحقيقة، حتى يكون على دراية بالإصلاحات، التي يجب القيام بها"، مضيفا: "يجب أن نقول للمغاربة إنه يجب علينا أن ننسى أرقام النمو البالغة 4 في المائة، سنويا، والتي التزمت بها الحكومة في برنامجها. في الوقت الحالي، ما زلنا نتوقع 3.3 في المائة، لعام 2023. لكننا، بالتأكيد، سنراجع هذا الرقم نزولا، في شهر يونيو. سيكون من الصعب، بالفعل، تحقيق المزيد من النمو، في هذا السياق".
وتابع: "ومع ذلك، ما أراه هو أننا نفعل العكس، تماما، بالقول إن كل شيء على ما يرام، وإن مشكل التضخم سيحل من خلال الآليات النقدية، لسبب بسيط، هو إسعاد المنظمات الدولية".
وحول ما يجب إعطاؤه الأولوية، محاربة التضخم أم تسريع النمو، رد الحليمي إننا "نعيش حالة انفصام"، موضحا: "فمن ناحية، نوزع الدخل على الشباب بأي ثمن، من خلال برامج؛ مثل "أوراش"، و"فرصة"، ونروج للشركات من خلال الإعانات أثناء تعبئة البنوك، ومن ناحية أخرى، نزيد تكلفة تمويل الاقتصاد"؛ حيث أكد على "عدم وجود أي اتساق بين السياسة النقدية والسياسة المالية للبلاد".