تغطية استقبال المنتخب.. البقالي: الإعلام العمومي عجز عن تسويق صورة المغرب عالميا

محمد فرنان

قال رئيس النقابة الوطنية للصحافة في المغرب، عبد الله البقالي، إن "مضي عشر سنوات على تنظيم الحوار الوطني حول الإعلام والمجتمع، يعتبر كافيا لمساءلة المنجز، الذي في نظرنا لم يكن في مستوى روح ولا مضمون التوصيات التي أسفر عنها هذا الحوار، ويمكن لنا أن نعدد بعض المؤشرات، سواء على المستوى القانوني، أو على مستوى أداء الإعلام العمومي المخيب لانتظارات المغاربة، أو على مستوى قدرة الإعلام الوطني  بأصنافه المختلفة على إقناع المواطن المغربي بالإحجام على الإقدام على هجرة قهرية نحو وسائط التواصل الاجتماعي أو القنوات الأجنبية لمتابعة شؤونه المحلية، وللتداول في قضايا شؤونه العامة".

وأضاف البقالي في اللقاء دراسي حول الإعلام الوطني والمجتمع، صباح اليوم الأربعاء، بمجلس النواب، أنه "لقد كان من بين توصيات الحوار الوطني التي تجاوزت في مجموعها المائة توصية، تحيين النصوص التشريعية، لكي تكون أكثر انسجاما مع المرجعيات الحقوقية الكونية التي تعطي الأولوية في مجال الإعلام، إلى حرية الرأي والتعبير، وإلى حق المواطنين في المعلومة، وإلى الأخذ بعين الاعتبار بحسن نية الصحافي أثناء المنازعات القضائية المرتبطة بالنشر، لأن من شأن إحساس الصحافي بالأمن القانوني أن يدفعه أكثر إلى الإبداع وتجويد الأداء والتنافسية مع باقي الزملاء، بما يخدم تطوير المشهد الإعلامي في عموميته، سواء كان عموميا أو خاصا".

وتابع: "لكن للأسف ما زلنا إلى حدود اللحظة نطالب بجعل قضايا الصحافة والنشر لا تخضع محاكماتها سوى إلى مدونة الصحافة والنشر، وأنه ليس معقولا أن يتم تكييف قضايا متشابهة بقانونين مختلفين، إذ تقرر نيابات عامة ومحاكم التكييف على أساس القانوني الجنائي، وأخرى على أساس مدونة الصحافة والنشر، مما يجرده مكتسب عدم متابعة الصحافيين بسبب عملهم بقوانين سالبة للحرية من أهميته".

ولفت إلى أنه "ما زلنا ننتظر أن تخصص غرف في المحاكم لقضايا الصحافة والنشر، لخصوصية هذا المجال الذي يتطلب، ليس فقط الإلمام القانوني، بل كذلك الإلمام بخصوصيات المهنة وأعرافها، وكذا مواكبة تطوراتها عالميا، ونعتبر أن قرار تخصيص قضاة بقضايا الصحافة والنشر في بعض المحاكم وتمرسهم في هذا المجال يعتبر خطوة مهمة في اتجاه وجود فضاء متخصص في هذا الشأن بما يحقق الاطمئنان إلى العدالة ويكرس الأمن القضائي".

وأشار إلى أنه "دائما على المستوى القانوني، نعتقد أنه لم يقع أي تطور في ما يخص المنظومة التشريعية لتنظيم مجال الإشهار، الذي يعد واحدا من مصادر تمويل الإعلام الوطني، ومساعدته على الاستمرار، خصوصا مع المنافسة الغير متكافئة من طرف كبريات شركات التكنولوجيات الحديثة، وفي مقدمتها غوغل، والتي باتت الشركات والمؤسسات العمومية تفضلها على المؤسسات الإعلامية الوطنية، مما يثير كثيرا من التساؤلات حول المردودية من هذا التصرف الغريب، لأن الإشهار في المؤسسات الإعلامية الوطنية يساهم في تمويل إنتاج خدمة إعلامية وثقافية ومعرفية وتربوية لفائدة المجتمع المغربي، في حين يعتبر جزء مهم من الإشهار في شركات عالمية هدرا للفرص والإمكانيات".

وشدّد على أن "الأمر نفسه ينطبق على قانون الحق في الوصول إلى المعلومة، الذي رغم أننا نثمن خروجه إلى حيز الوجود مما يعتبر مكسبا مهما، إلا أنه ما زال يتضمن مجموعة من البنود التقييدية التي تحد من فعالية وصول الصحافي إلى المعلومة، فما بالك بالمواطن العادي، ونتطلع إلى أن يحظى هذا هذا الموضوع باهتمام السادة البرلمانيين في الولاية التشريعية الحالية، من خلال إدخال تعديلات على هذا القانون تسمو به إلى ما نأمله جميعا. خصوصا تعديل المواد التي إما أنها تتضمن تقييدات مسيئة، أو أنها غير واضحة تفسح المجال أمام تأويلات متباينة، وبالتالي نجد أنفسنا مجبرين على التماس أن تكون السلطة التقديرية للموظف المكلف منفتحة على تأويل منتصر للحقوق والحريات، وفي مقدمتها الحق في الوصول للمعلومة".

وأبرز أنه "من التوصيات المهمة لدعم قطاع الإعلام الخاص لكي يقوم بأدواره المجتمعية، هو تحويل فلسفة الدعم العمومي من المنحة أو المنة نحو الاستثمار، بمعنى تحويل الدعم إلى آلية تساعد المقاولة الإعلامية على تجويد منتوجها ليكون منطلقا نحو استثمارات أخرى للمقاولة الحائزة على الدعم في نفس مجال اشتغالها الأصلي، الذي هو الإعلام".

واسترسل قائلا: "هكذا فإننا بعد مضي عشر سنوات على إصدار هذه التوصية، وبعد أكثر من خمسة عشر سنة على تعميم الدعم المالي على وسائل الإعلام الوطنية، لا زال هذا الدعم يطرح إشكاليات حقيقية، لأنه لم يتجاوز حدود الإنعاش المركز، و لم يخرج من دائرة سد جزء من العجز المالي لكثير من المقاولات الإعلامية، مما يؤشر على ضعف الحكامة وحسن التسيير في هذه المقاولات، كما أنه اقترب في بعض الحالات من مفهوم الريع، حيث بدت آثاره على أوضاع بعض المقاولين، و لم يكن له أي تاثير على أوضاع المقاولة والأوضاع المادية والمهنية للعاملين في القطاع ".

ودعا البقالي إلى "إعادة النظر في طرق صرف هذا الدعم، على أساس دفاتر تحملات ترهن هذا الدعم بالاستثمار في المقاولة وتطويرها واحترام الحقوق الاقتصادية والاجتماعية لعموم العاملات والعاملين في المقاولة، وبالتالي أن يخضع هذا الدعم إلى مسطرة تقييم واضحة قد تفضي إلى رفعه عن مقاولة أخلت بالتزاماتها، أو الزيادة في قيمته بالنسبة للمقاولات الناجحة على مستوى الاستثمار في الإعلام، وخلق مناصب الشغل، واحترام حقوق العمال".

وأصّر على ضرورة  "تعديل القانون المحدث للمجلس، بما يضمن العدالة التمثيلية بين المهنيين، ذلك أننا نعتقد أن تمثيلية الصحافيين هي ليست في مستوى كتلتهم الكبيرة التي تشكل الجزء الأكبر من عائلة العاملين في المهنة، كما يجب فتح نقاش حول طريقة إفراز رئاسة المجلس ومكتبه على غرار ماهو معمول به في كثير من مؤسسات الحكامة كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والمجلس الاجتماعي والاقتصادي والبيئي، أو المجلس الأعلى للتعليم، والتي نعتقد أن الميزانيات المرصودة لها والوسائل الموضوعة رهن إشارتها تجعل أثرها أقوى من أثر المجلس الوطني للصحافة، هي فقط دعوة إلى التفكير في هذا الموضوع".

وأورد أنه "بالنظر إلى جميع التجارب المماثلة في العالم، فإن التنظيم الذاتي لمهنة الصحافة ولأخلاقياتها يتشكل من التنظيمات المهنية المعهود إليها تأطير المهنيين والدفاع على حرية الصحافة والتعبير والنشر، والدفاع على حقوق ومصالح المهنيين، وتبذل في سبيل ذلك جهودا جبارة في إطار نضال نقابي ومهني، ولذلك فإن التمثيلية في مؤسسات التنظيم الذاتي لا يمكن أن تكون على أساس رغبات فردية مزاجية، بل على أساس التمثيلية المهنية الحقيقية".

ولفت إلى أنه "من التوصيات التي أعتقد أنها لم تعرف طريقها للأجرأة، تلك المرتبطة بدعم قراءة الصحف والمجلات، وأعتقد أن وضع الصحافة المكتوبة الورقية لا يسر عدوا ولا صديقا، فكثيرة هي الصحف التي لفظت أنفاسها بأن توقفت عن الصدور، وأخرى في الطريق، أو تقلصت صفحاتها، أو أصبحت غير منتظمة الصدور، وقد تراجعت مقروئية الصحف الورقية كثيرا خلال جائحة كوفيد بسبب الإجراءات الاحترازية، كما تأثرت المبيعات لأسباب متعددة من قبيل المنافسة غير المتكافئة مع وسائط الاتصال الحديثة والارتفاع المعمول في تكاليف الإنتاج وتراجع مداخيل الإشهار والإعلانات وتعثر تحصيل المداخيل المستحقة من المبيعات ومن الإشهار خصوصا من طرف الإدارات العمومية، وهو وضع أزمة حقيقية غير مسبوق يؤشر على مستقبل أكثر قتامة وأزمة".

ونبه إلى إن "وضعية الصحافة الورقية وضعية في غاية الخطورة، وتهدد بأزمة اجتماعية إذا ما تواصل مسلسل الإغلاق، بسبب عدد مناصب الشغل فيها، والتي هي ليست مرتبطة بالصحافيين فقط، بل كذلك بحركة المطابع، وبنشاط التوزيع، ونقط البيع، وبسوق الإشهار، وبالتالي فنحن أمام قطاع اقتصادي استراتيجي لا يمكن تجاهل الأخطار الحقيقية المحدقة به، لذلك فإن جميع الأطراف مدعوة إلى تحمل مسؤولياتها في هذا الشأن، لأننا بصدد قطاع ينتج خدمة عمومية إعلامية وتربوية وفكرية وحقوقية يواجه تحديات التحولات التكنولوجية الهائلة الحاصلة في قطاعه وهي تحولات مكتظة بالتحديات، وفي نفس الوقت يشغل آلاف من العاملين يعيلون عشرات الآلاف من المواطنين، وأن أي تهاون، أو أي تراخي في هذا الصدد ستكون عواقبه وخيمة على الأوضاع العامة في بلادنا".

وأورد، "لا يمكن أن نمر مرور الكرام على الخدمة المجتمعية للإعلام، والتي للأسف هي خدمة متواضعة جدا، ويهمنا أن نقف على وضعية الإعلام العمومي الذي يحظى بالحيز الأكبر من المال العام في المشهد الإعلامي، فسواء تعلق الأمر بالقنوات التلفزية التابعة للشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة، أو بوكالة المغرب العربي للأنباء، فإننا أمام وضعية غريبة ومثيرة تكشف عن منسوب عالي من العجز فيما يتعلق بانتاج خدمة إعلامية عمومية تحترم شروط الجودة وتعكس التعددية المغربية بكل تجلياتها: التعددية السياسية، والتعددية اللغوية، والتعددية الثقافية، مما يجعل جمهورا عريضا لا يجد أي صدى لوضعه الاجتماعي، أو اختياراته الثقافية، أو انتمائه الجغرافي أو المجالي في الإعلام العمومي".

وأكد أن "هذا الإعلام فشل في المساهمة في النقاش العمومي، الذي أصبح مجاله هو وسائط التواصل الاجتماعي ومنصات البث الرقمي، ولكن الطامة الكبرى، هي عجز هذا الإعلام عن تسويق صورة المغرب عالميا، والدفاع عن مصالحه، ومنافسة الإعلام الأجنبي، ولعل تعاطيه مع إنجازات المنتخب الوطني الأخيرة في مونديال قطر، دليل على هذا العجز، الذي يكاد يكون بنيويا".

واعتبر أنه "لا أخفيكم ما يسببه لنا هذا الأمر من إحراج، فأحيانا حين نشاهد مواد إعلامية من طرف قنوات موجهة للضرب في مصالحنا الوطنية، ونعلن رفضنا للتدخل في شؤوننا الداخلية، نصطدم بسؤال مؤرق: أين هو الإعلام العمومي الذي يستفيد من إمكانيات مالية محترمة في المنافسة وفي الدفاع عن مصالح البلاد؟ إننا مع كامل الأسف أمام إعلام لا يتجاوز مستوى رجع الصدى الرسمي، مع الاقرار في هذا الصدد أن الإشكال لا يرتبط بالأشخاص، ولا يمكننا أن نبخس الجهود التي تبذل ولا التضحيات الجسيمة التي يقدمها العاملون في هذه المؤسسات من صحافيين وإداريين وتقنيين وغيرهم كثير، بل إن الأمر يتعلق بالسياسات العمومية في مجال الإعلام، وبصلابة الإرادة الرسمية في هذا القطاع".

وطالب بـ"حماية الصحافيات والصحافيين أثناء أدائهم لعملهم أو بسببه، وسواء في مقرات العمل، أو في أماكن التغطية الصحفية، أو في مواجهة أي اعتداءات أو تهديدات قد تطالهم بسبب عملهم، وأن تكون هناك قوانين صارمة لحماية الصحافيات والصحافيين".