ضريبة "حق الشهر".. التكلفة الاجتماعية والاقتصادية للحيض في المغرب

تيل كيل عربي

اكرام اقدار 

لم تكن مسألة الحيض ضمن قضايا حقوق النساء في المغرب رغم التقدم الذي عرفه هذا المجال، حتى قدمت مجموعة العدالة الاجتماعية بمجلس المستشارين في يونيو 2022 مقترح قانون لمنح إجازة للمغربيات لا تتعدى يومين كل شهر خلال فترة الحيض.

وطالبت المجموعة في مقترح القانون هذا بتغيير الفصل الخامس عشر من الظهير الشريف لـ 24 فبراير 1958، الذي يحتوي على القانون الأساسي العام للوظيفة العمومية، من أجل "إحداث إذن بالتغيب لفائدة النساء خلال فترات الحيض، نظرا للصعوبات الصحية التي تواجه النساء خلال هذه المرحلة، والتي تشكل عائقا أمام المساواة المهنية والارتقاء بمكانة المرأة في الإدارة".

وفي الوقت الذي لا تزال المغربيات تدفعن "ضريبة" الحيض إن على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي، تمنح روسيا النساء منذ عشرينيات القرن الماضي الحق في التغيب لمدة 3 أيام شهريا مدفوعة الأجر خلال فترة حيضهن.

وفي عام 1948، وضعت إندونيسيا بندا في قانون العمل ينص على عدم إجبار المرأة على العمل في اليوم الأول والثاني من الدورة الشهرية، ليمنح هذا القانون في عام 2003 النساء الحق في يومي عطلة مدفوعة الأجر أثناء فترة الحيض وهو بند يدرج في عقد العمل.

كما يتضمن قانون العمل في كوريا الجنوبية منذ 1953 بندا يمنح الحق في يوم عطلة مدفوعة الأجر خلال الدورة الشهرية، وعقوبات ضد أرباب العمل الذين يرفضون منح هذه الاجازة للنساء العاملات.

وفي أوروبا، اعتزمت الحكومة الإسبانية خلال الأسابيع القليلة الماضية إقرار عطلة مدتها 3 أيام كل شهر، ضمن خطة إصلاح حكومية أعدتها وزارة المساواة لتصبح أول دولة في المنطقة تعطي إجازة للنساء خلال فترة الطمث.

وتتجه الحكومة الإسبانية إلى سن تدابير أخرى لتحسين صحة الدورة الشهرية، بما في ذلك مطالبة المدارس بتوفير منتجات العناية للفتيات.

إذا كان على المرأة في المغرب أن تنتظر سنوات أو عقودا حتى تتحقق المطالب الحقوقية بشأن الحصول على إجازة مدفوعة أثناء فترة الطمث، فإن المجتمع المغربي نفسه لا زال يتعاطى مع مسألة الدورة الشهرية بنوع من "النكران الاجتماعي" حيث يستبعدها من الحديث العمومي باعتبارها "طابو".

حقّ الشهر "حاشاك!".. الضريبة الاجتماعية للحيض

"حق الشهر" عوضا عن الدورة الشهرية في التعبير المغربي الدارج، لطالما ارتبطت في المخيلة المغربية الجماعية بتعابير الخزي والدنس والنجاسة والتي ترافقها عبارة "حاشاك"؛ حيث تصنف الدورة الشهرية ضمن المواضيع المسكوت عنها والمحرمة عن النقاش العلني وتوضع في خانة "العيب" و"الحشومة"، مما منح المجتمع أيضا فرصة حرمان المرأة حتى من حق الحديث عن حيضها.

يقول عالم النفس والاجتماع، الدكتور عبد الجبار شكري في هذا الصدد، "إن المجتمع المغربي لا زال يعتبر كل ما له علاقة بالجنس من المحرمات التي لا يجب الحديث عنها، لهذا يعتبر الحيض من طابوهات الجنس"، ويُرجع شكري هذا إلى عدة أسباب أولها أن المجتمع المغربي لم يتحرر من سلطة العقلية الذكورية وما كرسه المعتقد الديني والأسطوري الذي ينص على أن كل ما يتعلق بالمرأة "عيب" بما فيه جسدها وعملياته البيولوجية، مثل الحيض".

ويشير عبد الرحيم عنبي، أستاذ علم الاجتماع، في نفس السياق إلى أن الفهم الخاطئ للخطاب الديني؛ الذي يعفي المرأة خلال فترة الحيض من ممارسة العبادات يجعل المجتمع ينظر إلى هذا الإعفاء على أنه حرمان واستبعاد للمرأة من ممارسة الدين مما يكرس النظرة إلى المرأة في فترة حيضها على أنها "نجسة" و"مدنسة".

عن تجربتها مع الحيض، تحكي حياة البالغة من العمر 28 سنة: "لم يخبرني أحد عن الحيض قبل دورتي الأولى، ولكم أن تتخيلوا حجم الصدمة والارتباك الذي يمكن أن تشعر به طفلة في الحادية عشر عندما تكتشف أنها تنزف".

وتضيف حياة: " كنت منذ أول دورة شهرية لي أشعر بضغط كبير وخوف من أن يكتشف والدي أو أحد إخوتي أنني أنزف، وكانت أمي تمنعني من أن اقتناء الفوط الصحية من البقال، لأنه إذا اكتشف أنني حائض ستكون تلك فضيحة "، تسترسل حياة: " البقال نفسه يخجل من بيع الفوط الصحية فدائما ما يغلفها في ورق الجرائد وكأنها ممنوعات".

وعليه، فلما قرر المجتمع اعتبار الدورة الشهرية موضوعا غير قابل للنقاش، فإن المرأة تبعا لذلك تدفع ضريبة هذا الموعد البيولوجي الذي ليست مسؤولة عنه بأي شكل من الأشكال، فتضطر إلى إخفاء حيضها وكأنه جريمة، وبهذا تصبح ضحية ضغط اجتماعي ونفسي تعززه أشكال التمييز الذي تتعرض له المرأة بخصوص تأثير الحيض على شخصيتها وصحتها النفسية وعلاقاتها الاجتماعية.

 فقر الدورة الشهرية.. الضغط الاقتصادي للحيض على المرأة المغربية

في سنة 2019، أطلقت حركة "حاشاك" بمبادرة من الناشطتين في مجال حقوق النساء، ياسمين لحلو وسارة بنموسى، كمحاولة لتغيير الصورة النمطية عن الدورة الشهرية في السياق المغربي.  ركزت هذه الحركة على النقص الحاد في نسبة النساء والفتيات المغربيات اللواتي يتمكن من الوصول إلى منتجات العناية الشخصية خلال فترة الحيض، والتي كشفت دراسة أجرتها علامة MIA للفوط الصحية في العام 2017 أن %30 فقط من المغربيات يستفدن من إمكانية الحصول على منتجات الدورة الشهرية.

تقول سارة بنموسى في هذا الصدد: " حاولنا من خلال هذه المبادرة كسر حاجز الصمت حول الدورة الشهرية من خلال التوعية والتحسيس بأهمية هذه القضية في المدارس والجامعات. وقمنا بتوزيع سراويل حيض تكفي لمدة خمس سنوات لفائدة 300 فتاة يعانين من فقر الحيض. لكن هذا يبقى رقما ضئيلا على اعتبار أن معظم المدارس في المغرب لا توفر مستلزمات الدورة الشهرية للفتيات".  تعمل بنموسى إلى جانب ذلك بشراكة مع منظمات غير حكومية لتنظيم حملات توعوية ومناظرات داخل الجامعات.

في نفس المضمار أشارت سارة بنموسى إلى ضعف المناهج التربوية فيما يخص الدورة الشهرية حيث أنها تستبعد الحديث عن الحيض باعتباره طابو وبالتالي لا يتم تثقيف المراهقات بخصوص العناية الشخصية والأمراض المرتبطة بالحيض وغيرها.

وأكدت المتحدثة نفسها، أن هذا الواقع هو الذي يفرض اليوم "النضال من أجل فتح النقاش حول الدورة الشهرية وصحة الحيض".

في المتوسط، تحيض المرأة لمدة أربعين عاما بمعدل 450 دورة أي 2500 يوما من النزيف في كل سبعة أعوام، لذا تحتاج المرأة في المتوسط إلى 25 فوطة شهريا؛ إذا اعتبرنا أن الفوطة الواحدة تستبدل كل ساعتين أو ثلاث ساعات في اليوم الواحد. وتبعا لذلك، فالمرأة المغربية تنفق حوالي 22000 درهما سنويا على مستلزمات العناية الصحية أثناء الحيض، إذ أن سعر بيع الفوط الصحية يتراوح بين 12.37 و15.48 درهما لعلبة من 10 فوط، وقد يصل إلى 30 درهما للفوط الطويلة جدا أو السميكة جدا وهو سعر مرتفع بالنسبة للنساء ذوات القدرة الشرائية الضعيفة على اعتبار أن علبة واحدة لا تكفي لمدة 5 أو 7 أيام من النزيف، وهو ما يجعل العناية الصحية خلال فترة الحيض أمرا صعبا على النساء خاصة وأن بعض النساء والفتيات يعانين من آلام حادة تضطرهن أحيانا إلى أخذ أدوية مسكنة.

الحاجة إلى تشريعات تنتصر لحق المرأة في حيض غير مكلف

هذا الواقع دفع عددا من الحقوقيين والمدافعين عن حقوق النساء إلى إطلاق حملة مطالبة بتخفيض الضرائب عن الفوط الصحية وتوفيرها بشكل مجاني للنساء وخصوصا الطالبات في المناطق النائية على اعتبار أن صعوبة وصول الفتيات لهذا المنتوج يشكل أحد أسباب توقفهن عن الدراسة.

هذه الحملة الإلكترونية التي أطلقت في شتنبر 2018 وحصدت حتى اليوم 1286 توقيعا، تطالب وزارة المالية، إلى جانب خفض الضريبة على القيمة المضافة في الفوط الصحية بتصنيفها ضمن المواد الأساسية من أجل وقف "فقر الدورة الشهرية" الذي يدفع النساء من أوسط اجتماعية متواضعة في كثير من الأحيان إلى حلول بديلة غير آمنة قد تتسبب لهن في التهابات مهبلية أو أمراض مشابهة.

ويعتبر القائمون على الحملة الإلكترونية أن النساء بحاجة إلى الفوط الصحية استجابة لموعد بيولوجي لم يخترنه ولا يتحكمن فيه، وبالتالي فهذه المنتجات ليست من أجل تحقيق الترف وإنما ضرورة ملحة، وعليه فلسن مجبرات على تحمل تكاليفها الباهظة والتي تنهك جيوبهن.

بين ضغط المجتمع على المرأة فيما يخص مسألة الدورة الشهرية وبين الضغط الاقتصادي الذي يمارسه سوق منتجات الدورة على المغربيات، تبرز الحاجة إلى تشريعات تنصف المرأة في هذا الخصوص. فإلى اليوم لا زالت القوانين والسياسات تستبعد هذه القضية من دائرة الاهتمام.

وفي هذا الصدد صرحت سلوى الدمناتي، عضو اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب، بأن "ضريبة الحيض" لم تكن من ضمن أولويات مشروع قانون المالية على حساب قضايا أخرى اقتصادية واجتماعية، وهو ما يعبر عن التجاهل التشريعي لهذه القضية بالغة الأهمية في الحقيقة". وأكدت النائبة البرلمانية عن حزب التقدم والاشتراكية بأن "الحكومة يجب أن تتحرك في اتجاه الاستجابة للمطالب بمنح إجازة للمغربيات خلال فترة حيضهن وكذا توفير منتجات الدورة الشهرية مجانا خاصة في المدارس والجامعات وفي المناطق النائية بالخصوص".

وأضافت الدمناتي: " نحن كمعارضة سنحاول أن نحرز تقدما بهذا الخصوص في اتجاه طرح المطالب في مشروع قانون المالية للسنة التشريعية القادمة".

ضغط المجتمع على المرأة بسبب دورتها الشهرية وفقر الحيض الذي تتحمله رغما عنها، هو عنف اقتصادي واجتماعي يقابلهما ضعف القانون في الدفاع وسن قوانين منصفة للمرأة.

وينضاف إليه عنف رمزي من نوع آخر، يمارسه الإعلام الذي يفرض "الرقابة" على النساء ويعزز النظرة إلى الحيض على أنه طابو؛ فلطالما تم الترويج لفوط صحية تمتص سوائل زرقاء مع خطاب يشجع على ممارسة الحياة بشكل طبيعي رغم الحيض، ووراءها نساء إيجابيات ومثاليات لا يمثلن حقيقة ما يشكله الحيض بالنسبة للمرأة، خاصة تلك التي تعيش في الجبال ولا تملك حتى تلفازا في البيت أو دكانا قريبا يوفر فوطا صحية، فإذا كانت 70% من المغربيات لا يستطعن الحصول على فوط صحية  بسبب العوز المادي، فجزء كبير من هؤلاء النساء في المناطق النائية لا يعرفن شيئا عن الفوط الصحية أساسا بسبب ضعف التوعية بصحة الحيض.

 وعليه، يبدو أن تغيير النظرة إلى الحيض في السياق المجتمعي المغربي بإمكانه أن ينعكس على التشريعات والقوانين في اتجاه فتح النقاش حول حق المرأة في حيض غير مكلف اجتماعيا واقتصاديا.